محمد سليمان العنقري
معرفة من ربح او خسر بعد عام الكارثة على الاقتصاد العالمي قد لا يكون صعباً فالمستفيدون والمتضررون انتشر الحديث عنهم من بدايات الاقفال الكبير قبل تسعة شهور فأسعار الشركات المدرجة بالبورصات اظهرت من كسب وخسر من الشركات، وكذلك اغلاق منشآت او توسعها كان ظاهراً فقطاعات التكنولوجيا والشركات الطبية وبعض الخدمات كالاتصالات او الترفيه بالفيديو عبر الانترنت اغلبها كان من اكبر الرابحين وعلى النقيض فإن شركات السياحة والطيران وبعض الصناعات وايضا قطاعات تخدمها كانت من اكبر الخاسرين ويندرج التقييم ذاته على الدول فمنها من خرج بأقل الخسائر واسس لمستقبل افضل، واخرى ستعاني مستقبلا لان حجم التكاليف عليها كان باهظاً ولذلك بدأت الاجتهادات بمحاولة قراءة سيكون زمنُ من ما تبقى من هذا القرن؟.
ففي قراءة القطاعات فإن التكنولوجيا يعد اكبر الرابحين فجائحة كورونا خدمته بأقل تكلفة تسويقية خصوصاً الشركات التي قدمت خدمات التجارة الالكترونية وايضا العمل والتعليم عن بعد فشركة زووم التي باتت اهم منصة للاجتماعات عن بعد كانت قيمتها السوقية قبل سنوات قليلة ملايين الدولارات وصلت قيمتها حاليا الى اكثر من 80 مليار دولار، بعد ان تجاوزت حاجز 100 مليار في ذروة ازمة كورونا، وهذه الشركة ليست الا مثالا على الارتفاعات الضخمة التي طالت شركات التكنولوجيا بالاضافة للشركات الطبية فهذه الارتفاعات بالقيم السوقية لتلك الشركات ادخلت كبار ملاكها لنادي المليارديرات، وبعضهم بات من الكبار مثل ايلون ماسك مؤسس شركة تسلا للسيارات الكهربائية الذي بات ثاني اغنى رجل بالعالم، فالسنوات القادمة يمكن القول ان شركات التكنولوجيا هي من سيسطر على اسواق العالم وينال نصيب الاسد من الاستثمارات المتدفقة للاسواق، وستكون لاعباً رئيسياً في اقتصادات الدول ومؤثراً على توجهاتها السياسية على حساب قطاعات تقليدية التي ستكون اكبر الخاسرين بل سيتلاشى بعضها اذا لم تدخل العصر الجديد كشركات السيارات التقليدية، وكذلك البنوك التقليدية التي ستنافسها شركات التقنية المالية بوتيرة سريعة بالسنوات القادمة فالتكنولوجيا باتت عصب الحياة، وسيكون من اهم مقاييس قوة الدول عدد وتنوع وتقدم شركات التكنولوجيا التي تنتمي لها.
اما على صعيد المنظمات فتعد اوبك منظمة الدول المصدرة للنفط من الرابحين عندما اصبح المنتجين من خارجها يتشاركون معها لضبط توازن السوق بعد ان كانت هي المنتج المرجح لسنوات طويلة فعند الحديث عن اعادة التوازن للسوق بات مصطلح اوبك+ هو السائد، ويعد ذلك تحولاً مهماً لتحقيق المصلحة لجميع المتتجين بالتعاون الشفاف وان كان هذا التوافق يعد في مراحلها الاولى، لكنه يؤسس لمستقبل افضل باستقرار اسواق النفط بما يخدم المتتجين والمستهلكين، بينما على الطرف الاخر فإن منظمة الصحة العالمية تعد من الخاسرين نظراً لتوجيه اتهام بتقصيرها في هذه الجائحة من قبل عدة دول والذي توج بانسحاب اميركا منها مما يعني ان هذه المنظمة ستدخل بمرحلة اصلاح وترميم واسعة بعد انتهاء ازمة كورونا، اما على صعيد الدول فيعد شرق اسيا باغلب دوله من اكبر الرابحين للمستقبل بفضل الانضباط والتنظيم الذي قلل من اثار هذه الازمة عليهم وخفّض من عدد الاصابات بنسب كبيرة قياساً بدول متقدمة مثل اميركا واوروبا كما ان اقتصاداتها عادت سريعا لتنمو وتعد الاضرار محدودة حيث لم ترتفع ديونها السيادية او نسب البطالة كثيراً، وعادت مصانعها للعمل بطاقتها الكاملة حالياً مما يعني اننا امام بزوغ قرن اسيوي بعكس دول اوروبا واميركا التي تجاوز الكثير منها ديونها السيادية ناتجها القومي فاميركا، ولاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية يتخطى دينها العام ناتجها المحلي فهذه الدول ستعاني من بطء النمو مستقبلاً بسبب الزيادة السريعة بالديون السيادية وعلى القطاع الخاص والافراد.
الرابحون والخاسرون كثر ولا مجال لحصرهم، لكن من الواضح ان العالم دخل مرحلة القرن الاسيوي بقيادة الصين وسيكون للاسواق الناشئة قوتها ايضاً بجذب الاستثمارات وتحقيق معدلات نمو عالية بسبب الامكانيات الجيدة فيها وتوافر فرص نمو واسعة وايضا ستسيطر التكنولوجيا على هذا القرن وما نراه قد لا يعدو اكثر من بداية هذا الطريق الذي سيغير مسارات التعليم واساليب وادوات العمل وتوجهات الاستثمار وحتى ثقافات الشعوب.