د. عبدالرحمن الشلاش
لعلنا نتفق جميعا على أن الأب ودون أدنى شك يعد مسؤولا عن رعاية من يعول من أفراد داخل نطاق أسرته من زوجة وأبناء وبنات ونحوهم ومن هم في حكمهم. لا أحد يمكنه التهرب من هذا الواجب الشرعي والاجتماعي، ولا أن يجد مبررا لأي أحد يريد التنصل من هذه الواجبات الأسرية العظيمة، فهو في كل الأحوال أي الأب مطالب بتأمين كل الاحتياجات الضرورية من مسكن وملبس ومشرب ومصروفات دراسة ونحوها حسب قدراته وما يمتلك. لذلك يكون تركيزه على تأمين الضروريات، أما الكماليات فحسب المتاح ووفقا لما يتوافر لديه من مال يمكٌنه من التوسع والتوسيع منه على من يعول، وغير ذلك يعد ضربا من ضروب الجنون كأن يقحم الأب نفسه في ديون أو التزامات أو التصرف في بعض مدخراته من أجل إرضاء الأسرة التي تلح على الأب ليسافر بهم سفرة قد تأتي على الأخضر واليابس، أو شراء ملابس ومجوهرات لحضور مناسبة، أو تغيير أثاث المنزل بأثاث جديد قد يكلف محدود الدخل كل ما يملك وقد يستدين ويحمل نفسه ما لا يطيق.
بين الضروريات والكماليات تكمن المشكلة الاجتماعية والتي تحولت في واقعنا الحالي إلى ظاهرة قد لا يسلم منها منزل، ولو طرحت استبانة للتعرف على هذه الظاهرة وحجمها وتأثيرها في المجتمع لتم التوصل إلى نتائج مذهلة. يقول أحد الأثيرين لدي وهو رجل عرف ببساطته وتلقائيته، عركته الخبرات والتجارب حتى بات يفلسف كل شيء «لقد تحول الأب إلى ماكينة صرف» قلت له كيف؟ قال لقد نسي أهل الدار حقوق هذا الأب وأصبح الكل لا يتذكره إلا عند الحاجة له فقط، ثم يردف ولو كان الأمر فيه توازن ومسألة أخذ وعطاء لهانت الأمور ولكن ماكينة الصرف أقصد «الأب» صار يعطي بلا حدود وربما لا يلقى إلا الجحود. على أقل تقدير أين عبارات الشكر؟ أين التقدير؟ أين البر الذي أمر به الله؟. أعرف أن مثل هذا الأب قد نخره الوجع بما فيه الكفاية! لكن ليس هو الوحيد. صدمني أحد الآباء في صيف مضى يقول الأولاد ينامون حتى العصر ومعهم أمهم وأنا أذهب إلى العمل فتقول لي الأم إذا تبي غداء اشتر لك من المطعم وأنت جاي من الدوام لأننا نفطر متأخرين وإذا توقفت عليك ما يحتاج نطبخ! تقول هذا الكلام الذي لا يصدر من عاقلة لأهم شخص في الأسرة فأين أبسط الحقوق التي تمنح للأب؟ ثم هي في مكان القدوة فأين توجيهها لأبنائها وتليينها لقلوبهم على والدهم بعد أن ضعفت قدراته ووهن عظمه واشتعل رأسه شيباً.
هل تريد بعض الأمهات ومنهن من رزقها الله بالمال أن تحول الأب إلى ماكينة صرف ليس له حقوق لمآرب في نفسها؟ الله أعلم.