عبده الأسمري
حماية المهن مطلب ومتطلب والتقمص بها احتيال وتحايل يدخل ضمن «الفساد» الخفي الذي يجب أن نواجهه بكل الأسلحة الممكنة وأود هنا أن أضع قلمي كبيان حق وسيف عدل وفصل خطاب يبين الحقيقة ويظهر الواقع ويبرهن الحجة ويوضح الدليل ويؤيد المنطق.
عجبت وتعجبت واستغربت واندهشت من ثلة من الحمقى الذين أطلقوا على أنفسهم «إعلاميين» والأدهى والأمر أنه ما لبث بعضهم حتى أطلق على شخصه مسمى «كاتب»!!! وقد يرى البعض أن ذلك انتشر وكثر وبات من ضمن الظواهر العامة والغير مؤثرة لأن أبناء المهنة معروفين.. ولكنني وبحكم أنني ابن مهنة الإعلام وصاحب صنعة الصحافة ومحترف كيان الكتابة فإني في موقف «دفاع» وسأظل في حدوده مستميتاً للذود عن «مهنة» سامية و»حرفة» راقية تعتمد على الأخلاق وتتعامد على الخبرة وتقتضي الممارسة وتستوجب الإنتاج وتحتم الاحترافية.
سأورد مثالاً هل ستترك جهات «الرقابة» شخصاً يمارس الطب ويمتهنه وهو لا يحمل الشهادات التي تؤهله لذلك.. وهل ستتغاضى قطاعات المراقبة عن آخر يعمل في الهندسة وهو خريج تخصص في العلوم الإنسانية وهل أبقت وزارة العدل في محيط اختصاصها محامياً دون رخصة محاماة تؤهله للعمل الأمر الذي أعاد «الدعوجية» وأرجع «المعقبين» إلى عقر دورهم ليبحثوا عن أماكن أخرى خارج إطارات القانون.
إذن فما بال الإعلام وهو المهنة التي يجب أن تحاط بسياج من التدقيق وسور من التحقيق بحثاً عن هوية «الإعلامي» فقد كثر «المقلدون» وتزايد «المهرجون» وبات أصحاب «السناب» إعلاميين بالسفاهة وأصبح «المنشدون» كتاباً بالبركة و»المشاهير» صحفيين بالتفاهة!!
راجعت تلك الأسماء والمسميات فتذكرت تلك المقابلات الدقيقة التي كنا نجريها للمراسلين والذي يبقى الواحد منهم في مهنة ومسمى «مراسل» ويظل في الميدان شهوراً وربما سنيناً حتى يستطيع أن يمنح «وسام» محرر وكانت «تجربة» الثلاثة أشهر شرطاً ثانياً بعد الشرط الأول وهو الخضوع لدورات مكثفة في العمل الميداني والتحريري ويبقى هذا المراسل النشط بأوراقة وأقلامه وهاتفه وكاميرته في الميدان ويأتي ليمضي الوقت المتبقي في مقر الصحيفة متعرضاً للتوجيه أمام الخطأ والثناء حين النجاح والتوبيخ عند الفشل.. وكنا حينها نمنح المنتسب للعمل مشهداً لتسهيل مهمته ولا يحلم بالبطاقة الصحفية حتى يحقق الهدف من انضمامه للعمل، ويكون جديراً به من خلال كفاءته وإنتاجه، واليوم باتت البطاقات الإعلامية المزيفة توزع ككروت الأفراح أو بطاقات البزنس كارد!!
أما الكتابة وما أدراك ما الكتابة فهي درجة عالية وسلمها طويل جداً كثير المنحنيات والعواصف تحيط به من كل جانب لا يجتازه إلا محترف.. ومهرها باهظ الثمن يقتضي الكفاءة والإجادة والجودة ويشترط الخبرة والمهارة والموهبة فعندما تتهيأ أن تكون مشروع «كاتب» فهذا يعني أن يكون لك «مساحة» خاصة تقتصها من الصحيفة، وهذا لا يأتي إلا بقرار من رئيس تحرير «جهبذ» قضى في الصحافة ثلثي عمره ووفق معطيات ومؤشرات وأدوات لأنها «درجة عليا». وعندما ترى أسماء الكتاب وأنت بالبدايات وتجد إنتاجهم فإنك ستكون في حيرة الموقف ودهشة المهمة واندهاش الاختبار.
واليوم وبعد أن اختلط الحابل بالنابل والقابل بالمقابل وبات إصدار صحيفة اليكترونية لا يقتضي إلا رسوماً بسيطة وجهاز «لاب توب» ثم تتوالى المسميات حتى جاءت فلول الإعلاميين «المقلدين» والصحفيين «المغشوشين» وكتاب «نشرات المدارس» ليقتحموا أسوار المهنة ليزاحموا وكالات الأنباء والمنتسبين للصحف المعروفة والكبرى والعريقة.. والمضحك والمخجل والمؤسف أنهم ينادون على بعضهم في المناسبات أو في القنوات الشعبية بالإعلامي والكاتب وعندما تدقق في بيانه وحديثه ونتاجه فإنك ستجد أن الإعلام بريء منه وأنه قد شوه الساحة بدخوله المريب والمشبوه..!!
وعندما نتصفح مقالات «كتاب» الوهم و»كتبة» القروبات لوجدنا أننا أمام «كتابات» تلاميذه صفوف أولية.. فلا فرق بين الاسم والفعل ولا ترابط بين الفكرة والهدف ولا ارتباط بين العبارة والمتن ولا وجود لهوية ما يسمى مهنياً بالمقال ولا انتماء بين المكتوب والمهنية ولا اقتران بين الكتابة والمنتج.. وبالتالي فإن ما نراه مجرد «هلاوس» خطية و»شعوذات» ذاتية.. و»خربشات» فوضوية.
وحينما نمعن في تلك المسميات الإعلامية والمنتجات الصحفية فإننا سنرى البؤس وتتملكنا السخرية وتأسرنا الغرابة.. من الأسماء المجهولة والنكرة والشهادات المعدومة والخبرات الفارغة.
الإعلام مهنة راقية لا تتحمل وجود «الدخلاء» في متونها.. والكتابة حرفة سامية لا تحتمل تواجد «الجهلاء» في شؤونها.
آن الأوان لانتفاضة رسمية لتنقية الإعلام من شوائب «المنتحلين» وتصفية «الكتابة» من رواسب الساذجين.
والأمر الفاصل والقول الفصل في إيقاع عقوبات على المخالفين وإنزال غرامات على المتورطين.. حتى ننهض بإعلامنا إلى أعلى مستويات الاعتراف والانصاف والاحتراف.