رجاء العتيبي
في القرن الخامس ق.م أي قبل 2500 سنة الأخلاق عند السفسطائيين نسبية، وكل شخص له أخلاقه الخاصة، وهذا الشخص لن يكون سعيداً إذا عاش تحت مظلة قوانين من أي نوع، وأن الخير قائم على اللذة الحسية، وأن الإنسان هو مقياس كل شيء، ومرجعيتهم إلى الحس وليس إلى العقل.
بينما عارض سقراط السفطائيين، بوصفهم فذلكة كلام ليس غير، وهدم مشروعهم، وقال: «إن من يحترم القوانين العادلة يحترم العقل والنظام الإلهي». مؤكداً على أن الأخلاق تهدي إلى الخير، وبدون نظام أخلاقي تتحرر الشرور، وقال: «إن الحكمة خير ما يملكه الإنسان». المرجعية هنا العقل.
أما أفلاطون هو الآخر فقد نقض أطروحات السفسطائيين، وأبان أنه يستحيل معرفة الخير من الشر إذا كانت لذة الإنسان تعتمد على الحس وحده. وشدد على أن عالم الحس هو شر محض، وأن على الإنسان أن يحتكم لعالم المُثل: القيم العليا، الأخلاق، العقل، الخير. أما عالم الحس (الواقع) ليس سوى محاكاة لعالم المُثل.
أرسطو خالف أستاذه أفلاطون، وتحدث أن الفن محاكاة للواقع (المحسوسات) نظرة واقعية وليست مثالية، وهنا تبرز مفردة الفن بوصفها محاكاة للواقع، كنظرية متماسكة، استمرت بنفس وهجها حتى اليوم، ويؤكد أن الفن (المحاكاة) يؤسس للخير والفضيلة والأخلاق، وأن الفضيلة إذا استخدمناها بإفراط تضرنا.
وفي هذا السياق، تجادل المسرحيون الإغريق في ذلك الزمن عن الأخلاق والفن كما نتجادل اليوم، وكأنهم بيننا، أسخيلوس يقول: «الشاعر مُعظّم للأخلاق»، ويتبعه في ذلك أرسطوفانيس. بينما يوروبيديس يرى الفن مهمته الكشف عن الحقيقة بعيدا عن القضايا الأخلاقية والدينية.
لهذا فإن الجدل حول مسلسل (ضحايا حلال) هو امتداد للجدل التاريخي حول الأخلاق والفن، لا جديد، فالجدل يأخذ صورا متعددة، كل صورة تنظر للحدث من زاويتها: أخلاقية أو فنية. وقرار هيئة المرئي والمسموع انتصر للأخلاق متسقاً مع المزاج العام، والمزاج العام تحكمه الاخلاق في النهاية، لأن الأخلاق كونية إنسانية.
سؤال: هل يمكن لهيئة الإعلام المرئي والمسموع أن تسن قوانين عالية الحساسية يكون بمقدورها فصل الفن عن (التفاهة والتكسب والمقاولات)، حتى لا تكون قراراتها مضرة بالفن الراقي الذي يعد ضرورة من ضرورات الحياة.