رمضان جريدي العنزي
الاعتذار عند الإساءة المتعمدة وغير المتعمدة كفيلٌ بدفن الإساءة، وجعلها من الماضي. والاعتذار مثل الماء؛ يطفئ الحرائق، ويخمد الأدخنة، ويزيل الغبش، يقوي الأواصر، ويمتن العلاقات. والاعتذار قرار حاسم وجازم للتسوية الكاملة لملف المشكلة العالقة. إن الكثير من المشكلات وسوء التفاهمات التي تحدث بين الناس اشتعلت شرارتها نتيجة الغضب والتشنج والاحتقان، وبكلمة واحدة - وهي الاعتذار - تعود المياه إلى مجاريها، والحياة إلى سابق عهدها، والصفاء إلى الفضاء.
وليس صحيحًا أن الاعتذار يهدر من كرامة المرء، ويذيب هيبته، وينقص من مقامه، بل هو ثقافة حضارية، ولغة إنسانية، وسلوك راقٍ.. يجلب السلام والوئام، ويردم بؤر الفرقة والاختصام والشقاق، ويعلي من الشأن والمقام، والرفعة والعلو.
ولا يجيء الاعتذار إلا من أصحاب النفوس الصافية، والضمائر الحية، البعيدين كل البُعد عن الكبر والغطرسة والعنجهية.
إن الاعتذار مثل روضة زاهرة مليئة بالسجايا الجميلة، والخصال الأصيلة، والحب والمودة والوئام. إن الإنسان الراقي من صفته طي الصفحات السوداء، ونسيان اللغات الرمادية. ودائمًا ما يكون هشًّا بشًّا، بسام الثغر، نقي السريرة، بعيدًا عن الجفاف والعبوس، ينفذ إلى القلوب، ويسكن الأرواح.
إن الذين لا يجيدون ثقافة الاعتذار يملكون سليقة معوجة، وفهمًا سقيمًا، وصفات سيئة.. يحاولون بشتى الطرق الدفاع عن مواقفهم الخاطئة، ويمعنون في كيدهم وعدائهم وثوابتهم الرخوة.. عندهم انحرافات والتواءات، وأحاديثهم مصطبغة بأهوائهم وأمانيهم، ويزعمون أنها الحقائق.
إن الاعتداد بالنفس والترفع وعدم الرجوع عن الخطأ من شيم أهل الكبر والغرور والغطرسة وغلاظ القلوب الذين يتمادون في غيهم بعيدًا عن رحاب المروءة والإنصاف.. وهي صفات من عيوب النقص المستحكمة بالأعماق.
إن الرجوع عن الخطأ، وتقديم الاعتذار، من موازين العقل والحكمة والأخلاق.. ويجب أن يكون من المكونات الفكرية ومصطلحات الفهم لأي فرد من أفراد المجتمع. ألم يقل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «كلُّ ابن آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون»؟