د. عيد بن مسعود الجهني
دول مجلس التعاون الخليجي الست يسجل لها أنها استغلت عائدات النفط في مشاريع تنموية وتعليمية وصحية وبنية أساسية، وجسدت تقارب وتعاون اقتصادي فيما بينها.
وفي ميدان الأمن في الخليج العربي تمكن المجلس كما نوهنا سابقًا من تجنيب دوله وشعوبه زلازل أمنية إستراتيجية منذ إنشائه عام 1981 وحافظ على أمنه الوطني متجاوزاً آثار الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية - العراقية، ونجح المجلس في طرد صدام حسين من الكويت التي غزاها (بالقوة) فأصاب أمن منطقة الخليج والأمن العربي في (مقتل).
واليوم ومع طموحات إيران النووية ووجودها الواقعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن من خلال أذرعها المتعددة، أصبح مطروحاً بشكل ملح التفكير الجاد والعمل من أجل إعادة بناء هيكل الأمن القومي الخليجي على ضوء المتغيرات التي تشهدها هذه المنطقة الحساسة (رئة العالم النفطية والإستراتيجية).
فالمنطقة في مقدمة أهم المناطق على الكرة الأرضية لجغرافيتها المميزة والنواحي الاقتصادية والسياسية والبشرية والسكانية والعسكرية، والتي زاد النفط من (سخونة) أهميتها فدول المجلس لوحدها احتياطيها كسر حاجز (500) مليار برميل وبإضافة إيران والعراق فإن الاحتياطي النفطي يقفز إلى أكثر من (800) مليار برميل.
ومن هنا فإن التهديدات التي تواجه هذه المنطقة الحساسة تأخذ طابع الخطورة، لأنها لا تقتصر على التهديدات الخارجية من الدول الكبرى التي لها مصالح حيوية في المنطقة وإنما تنبع من المنطقة نفسها وهذا يضفي طابع الحساسية ويؤثر تأثيرًا مباشرًا في الاستقرار السياسي والأمني للمنطقة.
وقد أثير موضوع أمن الخليج في السبعينيات من القرن المنصرم عندما جرت مناقشة إيجاد صيغة لأمن المنطقة فعقد مؤتمر جدة في يوليو 1975 ثم تلاه مؤتمر مسقط عام 1976 إلا أن دول المنطقة لم تتوصل إلى قرار يحدد موضوعاً أو حتى مفهوم الأمن في المنطقة!
وقبل قيام المجلس قدمت المملكة عام 1980 تصورها للأمن الجماعي الذي يهدف إلى قيام تعاون فعال بين القوات بجميع دول الخليج، كما انه يؤيد توفر استقلال عسكري كامل للدول الخليجية عن طريق تقرير الطاقات القتالية لجيوشها، ومن أهم نقاط المشروع السعودي أن أي اعتداء على أمن إحدى الدول الخليجية يعد اعتداء على كل دول المنطقة.. ولقد اتضحت أهمية المشروع السعودي عندما احتلت العراق الكويت فأصبح الاعتداء اعتداء على جميع أعضاء المجلس.
ومع ميلاد مجلس التعاون لدول الخليج العربي عام 1981م، بدأت فكرة أمن الدول الست تأخذ ملامحها وتمخضت في نهاية الأمر في قوات درع الجزيرة التي تتمركز في مدينة حفر الباطن السعودية وتشكل السعودية المشارك الأكبر فيها باعتبارها الدولة الوحيدة من الدول الست القادرة على القيام بالدور الرئيس في تحقيق جميع عناصر القوات المسلحة بالمقارنة بباقي أعضاء المجلس.
وإذا كانت قمة الدوحة التي انعقدت في 26 ديسمبر 1996 في بيانها الختامي قد اهتمت بقضايا حساسة في القضايا العسكرية والأمنية والإستراتيجية والاقتصاد والسوق المشتركة والوقوف في وجه الإرهاب فإنها وهي تدرج قضية الأمن في بيان قمتها الختامي تدرك أن القوة اليوم هي اللغة التي يفهمها العالم لأنها تحافظ على الأمن والسلام، بل إنها لغة سلطان السلام وبوصلته، والدول لا تستطيع تحقيق أهدافها وتحويلها إلى واقع إلا بالقوة التي تعد أداة رئيسة من أدوات السياسة والعلاقات الدولية.
والمجلس الذي واجه تحديات جسيمة تمكن من تجنيب دوله الست وشعوبه كوارث أمنية كان مكانها أرض الخليج منذ نشأته عام 1981 وفي مقدمتها الآثار السلبية للثورة الإيرانية والحرب بين إيران والعراق وتمكن بإرادته الجماعية من تحرير الكويت.
المجلس اليوم يواجه تحديات قد تكون أخطر مع احتلال العراق وتمزقه إلى أشلاء والطموحات الإيرانية لامتلاك القوة النووية، والصلف الإسرائيلي في وجه السلام، ناهيك عن الوضع في سوريا ولبنان واليمن وليبيا والصومال والإرهاب الذي يرفع رأسه بين الحين والآخر، وكلها تهدد الأمن القومي الخليجي والعربي في مقتل.
ودول المجلس ولأنها تعد نقطة ارتكاز في الوضع العربي وأمنه بما تملكه من استقرار في أنظمة حكمها وسيطرتها على الموقع الاستراتيجي المهم وثرواتها الطائلة وهذا يحتاج إلى دعم في (القوة) بعد أن تأكد أن الدفاع العربي وقوة الردع العربية قد ثبت عملياً فشلها منذ التهديدات العراقية للكويت في الستينات من القرن المنصرم؟
لذا فإن دول المجلس يجب أن تحقق الحد الأعلى من التعاون الأمني والدفاعي فالوقت قد حان للنظر إلى بناء (القوة)، فالعالم لا يصغي إلا للقوة، ومظلة الأمن والاستقرار والثروة لا يدعمها ويحميها إلا القوة.. والسيادة ومصالح الدول وشعوبها وأمنها الداخلي تقف (القوة) صامدة لرد أي عدوان طامع.
هذا لأن القوة هي عصب الدولة، وهي التي تحول دون اغتصاب الحق بل توقف اختزال العدل لأنها تؤكد إرادة الدولة وترسخ السلام، بل إن الحديث عن السلام والحلول الودية وحل النزاعات بالطرق السلمية لا يتأتى بأي حال من الأحوال إلا بمكنة القوة.
وإذا كان لكل نظام أمني غايات وأهداف ووسائل وخطط يرتكز عليها.. وحتى يصبح مفهوم الأمن في الخليج واضحاً ويمكن تحقيقه فلا بد أن يشتمل على عناصر أساسية ضمن برنامج قابل للتطبيق يسعى لتحقيقه فمشوار الألف ميل كما يقولون يبدأ بخطوة، فالأهداف لا بد أن تحدد فالسياسة والاقتصاد والدفاع والأمن أمور مترابطة ومتشابكة لا تنفصل عن بعضها.. وكما أنه من المهم تحديد الأهداف فإن تلك الأهداف يجب أن تساير الإمكانات المتاحة لتقرير الأمن المشترك لدول المجلس ولا تتجاوزها لأن الإفراط في الطموح قد ينقلب إلى ضده.
وإذا انتهينا إلى أن الخليج العربي يملك النفط وهو أغلى وأهم سلعة في التاريخ الإنساني وبسبب هذه الثروة ترتبط مصالح الدول الصناعية الكبرى الحيوية، وأن نظرية الدفاع العربي وقوة الردع العربية قد ثبت بالفعل فشلها، وأن دول المجلس نفسها لم تحقق سوى الحد الأدنى من التعاون الأمني والدفاعي والسياسي والاقتصادي بل والتجاري.
ومن هنا أضحى على دول المجلس الست التي يصل التشابه فيما بينها في كل الميادين إلى حد التطابق أن تضع في اعتبارها جميع الاحتمالات خاصة الأسوأ منها واستيعاب العبر والدروس والعمل على التصدي لأي عدوان.
وهذا لا يكون إلا من خلال بناء (القوة) من منطلق أن العالم المتغير الذي نعيشه لا يصغي إلا للمعادلات الصحيحة القائمة على قاعدة إستراتيجية دقيقة لبناء مظلة (الأمن) لتضمن لها ولمواطنيها معاني البقاء والتكامل الإقليمي والتماسك الاجتماعي وحماية المصالح والقيم ضد التهديدات الخارجية، فكما أن الماضي والحاضر كان مليئاً بالمغامرات طمعاً في الثروة فإن المستقبل قد يخبىء في جعبته الكثير فالثروة دافع قوي للعدوان.
ويبدو الأمل وفجر جديد ونحن أهل الخليج نشاهد قادة المجلس في قمتهم في الرياض وهم عاقدو العزم على التصدي لجميع محاولات الأعداء والوقوف صفاً واحدًا كالبنيان المرصوص لدفع عجلة أمن واستقرار دول المجلس، بل والأمن القومي العربي، والسلام العالمي، الذي يمكن القول إن نقطة ارتكازه الخليج العربي، حيث تمثل دول المجلس أول وحدة عربية تتحقق على أرض الواقع لتصبح (قوة) تصنع تاريخًا عظيمًا.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة