د.بكري معتوق عساس
لقد عشتُ مع العلمِ والتعلُّمِ والتعليمِ أكثرَ من خمسينَ عاماً، تقلبتُ فيها بين مختلف صوره وأشكاله، فكنتُ طالباً في التعليم العام، وطالباً جامعياً، ودارساً في برامج الدراسات العليا الداخلية، ومبتعثاً للدراسة في الخارج. عملتُ مدرساً في التعليم العام، وأستاذاً في الجامعة، ومديراً لشؤون الطلابِ في إدارة التعليم، ومستشاراً لرعاية الشباب لشؤون الشباب والرياضة، ووكيلاً لجامعة أم القرى للأعمال والإبداعِ المعرفي، ثم توليتُ بعد ذلك كله -بفضل من الله وحده- إدارةَ جامعةٍ عريقةٍ، هي جامعةُ أم القرى.
هذه المسيرة الطويلة زماناً، والمتنوعةُ في وظائفها وأعمالها، كانتْ مليئة بالمواقف والتجاربِ والعِبر والدروس. وقد وجدتُ في كل تجربةٍ وموقف منها مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
والحديث عن النفس يكتنفه الكثير من المشكلات، ويعتريه حرجٌ غير قليل؛ إذْ قد يفهم البعضُ منه تزكيةً للنفس، أو ترويجاً للمنجزِ، أو دعايةً للذاتِ. ولا والله؛ ما أردتُ من ذلك شيئاً؛ وإنما قصدتُ إلى التحدث بنعمةِ الله كما قال سبحانه: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
ولعلّ من أبرز ما أودّ الإشارة إليه هو تلك العناية البالغة لملوك هذه البلاد المباركة بقطاع التعليم. ولقد عاصرتُ خلال هذه الرحلة الطويلة خمسةً من ملوك هذه البلادِ، وما منهم إلا من رأيتُ بصماتِهِ الواضحة بحسب موقعي وقتها من السلم التعليميّ.
لقد أولتِ المملكة العربية السعودية الجانب التعليميّ الأهمية اللائقة، وفي كل عام تكون ميزانيته من كبرى ميزانيات الدولة؛ ولأجل ذلك قفزت المملكة خلال عقود قليلة من بلادٍ تشحُّ فيها المدارس، وتقل فيها المؤسسات التعليمية، إلى بلاد تحتضن العشراتِ من مؤسسات التعليم العالي، والآلاف من مؤسسات التعليم العام، وعشرات الآلاف من حملة الشهادات العليا، بل باتت جامعات بلادنا وأساتذتها ينافسون - بحمد الله - على المستوى العالميّ، وما كان هذا ليكون لولا فضل الله تعالى أولاً، ثم ما أشرتُ إليه من عنايةِ ملوك هذه البلادِ بهذه القضية المحورية.