إيمان الدبيان
قاتل بلا سلاح باليد محمول، مدمّر للأخوة والصداقات والضمائر والعقول، كل أمنياته تمني زوال النعمة عن الغير بأي وسيلة، وبكل الطرق والحلول، هذا هو الحاسد، وذاك هو الحسد على مر الأزمنة والأيام والفصول.
يعتقدون كل ثري سعيدًا، ومرتاحًا، ولا تعتريه الهموم.. وما عرفوا أن الثراء له تبعات لا يدركها ضعاف النفوس، ولا يفهمها من قلبه بالحقد مسموم، يرون أن كل ناجح حقق نجاحه بالمال، أو الجاه، أو السلطة، وما أدركوا أن تحقيق الأهداف منال صعب، تحفه العقبات، والمخاطر دائمًا حوله تحوم.
من يصطلي قلبه بنار الحسد وبركان الحقد يقذف حممه كرهًا، وحربًا على القريب والبعيد كلما رآه بصحة أو عيش مع الأهل والولد رغيد.. لا يسلم منه امرأة ولا رجل رشيد. وتجاهلوا أن السعادة في القناعة، وأن التميز يكون بالاجتهاد والطموح في كل حين وساعة.
الحسد -والعياذ بالله- لم يسلم منه الأشخاص ولا حتى الدول والمجتمعات.
إنْ يَحْسُدُوني عَلَى مَوْتِي فَوا أَسَفِي
حَتَّى عَلَى المَوْتِ لا أَخْلوُ مِنَ الحَسَدِ (يزيد)
وصل الحسد بالبعض إلى حسد الناس حتى على آلامهم، ومصائبهم، على يُتْمِهم، ووجعهم، على وحدتهم، وكل أمرهم؛ لذا ينتشر نَتَنُ معاملاتهم السيئة، وتكون ضرباتهم واضحة بينة، يتسلطون على الناس في رزقهم، ويعوقون البشر عن عملهم، فهُدِمت كثير من العلاقات، وقُطعت صلة الأرحام والقرابات بسبب حاسد يروج لشائعة، أو يتعدى على غيره بلا دين ولا أخلاق رادعة.
بسبب الحسد تنوعت الأمراض وكثرت، وزادت الحالات النفسية وانتشرت، وأصبحنا نسمع عن شباب وأطفال يذهبون إلى الرقاة، ونساء ورجال لا يبتعدون عن الأطباء والمستشفيات، عاشوا في أُسرٍ غذتهم على الحقد والبغضاء؛ فنشؤوا حاقدين، أو العكس؛ كانوا ضحية للحسد والعداء؛ فذاقوا ويلات الناقمين.
أول جريمة بشرية في تاريخ الإنسانية حدثت بسبب الحسد، وما زالت معظم الجرائم إلى اليوم تقع بسبب الحسد الذي لا يدخل القلوب الصادقة، ولا يلازم العقول الرائدة؛ لأنها تدرك أن الحياة مرة واحدة، لا تستحق العناء، بل يجب أن نعيشها بحب وصفاء، نضع أنفسنا مكان غيرنا فنفرح لأفراحه، ونحمد الله على المعافاة عندما نرى مصيبته وبلاءه، نؤازره متقدمًا، وندعمه متأخرًا، مؤمنين بأن الله فضّل بعضنا على بعض في الرزق والعلم.. وكثير غيرها يجعلنا نعي يقينًا أن جمال الدنيا ينبع من جمال نظرتنا لها، وتعاملنا معها.