عبدالرحمن الحبيب
هل اشتروا جميعاً كيندل (المتصفح الإلكتروني)؟ لدي واحد، واستخدمه في معظم الليالي. دائماً ما أتخيل الكتب تحدق وتهمس أيها الخائن! ولكن هيا، لدي الكثير من الفصول الأولى المجانية لأتصفحها. هذا ما كتبه الروائي الأمريكي روبن سلون.
عشاق الكتاب الورقي لا ينفكون يمجدون الورق بحنين وذكريات جميلة جعلت حتى رائحة كربون الحبر عطرية! «إن عشاق الطباعة ببساطة يخلطون بين الطبق وبين الطعام» كما يقول دوجلاس آدمز. إلا أن ستيفن فراي يؤكد أن «الكتب ليست مهددة من قبل الكتب الإلكترونية أكثر من تهديد المصاعد للسلالم».
في السابق قيل إن السينما ستزيح المسرح، لكن ذلك لم يحصل! لكن قيل إن الكتاب المطبوع سيزيح الكتاب المخطوط يدوياً، وهذا حصل فعلاً.. وبين هذين المثالين يبدو الكتاب الورقي أقرب للمثال الثاني، إلا أنه ظهر مؤخراً فيلم وثائقي جذاب يستكشف المرونة الرائعة للكتاب مع أبعاد وزوايا لم تلحظ من قبل: التكنولوجيا الرقمية حررت الكتاب الورقي من وظيفته الأصلية في نقل المعلومات. انتهى الالتزام بنقل قوائم الحقائق والبيانات القديمة بسرعة؛ وتحرر من «عبء القيام بالعديد من المهام التي تؤديها المعلومات الرقمية بشكل أفضل»، لذا فالكتاب في القرن الحادي والعشرين «يولد من جديد تمامًا ويعاد اختراعه»، كما يقول المؤرخ آبي سميث رومسي. يمكن للكتاب الورقي اليوم أن يتفخر بقدرته على التواصل باستخدام الحواس الخمس.
هذا ضمن ما جاء في الفيلم الوثائقي The Book Makers (صُنَّاع الكتاب)، مما تبدو فكرته مناقضة للأطروحة العامة بأن التكنولوجيا الرقمية ستزيح الكتاب الورقي الذي بدأ يدخل مرحلة الاحتضار. الفيلم وثائقي فاتن وإلهامي مدته ساعة يبحث في شكل ووظيفة المخطوطة، تلك القطعة الكبيرة من الورق بين لوحين والتي تطورت على مدى آلاف السنين لتصبح أداة القراءة المثالية.. إنه الاختراع الاستثنائي الذي يجعل غير الملموس - الأفكار والمشاعر - ملموسًا.
يزيح الفيلم الستار عن الأشخاص الذين يحافظون على الكتب حية في القرن الحادي والعشرين، ويسلط الضوء على موهبة هؤلاء الفنانين وتفانيهم ومهاراتهم، ويعيد صياغة مفهوم الكتاب والغرض منه، في الوقت الذي أصبح فيه مصير الكتاب الورقي موضع تساؤل.
ما الذي يجب أن تصبح عليه الكتب في العصر الرقمي؟ تظهر بعض الإجابات في الفيلم عبر لمحات عن مجموعة منتقاة من محبي الكتب الذين كرسوا حياتهم لإبقاء الكتب حية: من العالم الداخلي لفناني الكتاب إلى المكتبات الرقمية لأرشيف الإنترنت، يروي الفيلم قصة الحيوية الدائمة للكتاب عبر رحلة ممتعة في العملية الدقيقة لإنشاء الكتب المصنوعة يدويًا، بشكل تقليدي وغير تقليدي، في مجموعة متنوعة من الأساليب والوسائط. ينتقل الفيلم من نيويورك إلى الغابة السوداء في ألمانيا، ويبلغ ذروته في معرض المخطوطات في سان فرانسيسكو، حيث يتجمع طاقم الشخصيات لبيع كتبهم لهواة الجمع من الجامعات والمكتبات، وللمشترين الفضوليين من جميع أنحاء العالم.
أخرج الفيلم جيمس كينارد (ابن ديفيد كينارد مخرج أفلام وثائقية أسطورية) الذي منذ يفاعته جذبته الكتب المصنوعة يدويًا باعتبارها فنًا حياً وحرياً بالاستكشاف، مليئًا بآلات القعقعة والمرئيات الفاتنة. الفيلم سافر في جميع أنحاء العالم للقاء فنانين رائدين آخرين في مجال الكتب، بما في ذلك بيتر كوخ، وهو فنان ناسخ وصانع كتب في بيركلي، كاليفورنيا، ورسل ماريت في بروكلين، وكريستيان روبنسون، رسام كتب الأطفال في سكرامنتو، وفيرونيكا شابيرز في الغابة السوداء في ألمانيا.
تركز الكاميرا بشغف على الفن غير العادي الذي تنطوي عليه صناعة الكتب يدويًا، من النسخ إلى الطباعة إلى الرسم الدقيق والقص والخياطة والكتابة. إلى جانب هذه الأعمال الفنية، تظهر الكتب الورقية الأكثر شيوعًا أيضًا بالمتاجر والفصول الدراسية. وفيما قد يكون المصير النهائي لمعظم الكتب المطبوعة، فإنها تتلألأ كأشباح رقمية في أرشيف الإنترنت في سان فرانسيسكو، وهي مكتبة على الإنترنت تضم أكثر من 20 مليون مجلد تم مسحها ضوئيًا، وتقع في كنيسة سابقة. في كل مرة يتم فيها الوصول إلى كتاب، تومض بنوك الخوادم التي يتم ترتيبها مثل أنابيب الأرغن في الأفنية الفارغة (مجلة إيكونيميست).
في خضم الوباء، عندما يقضي الكثيرون أيامهم أمام الشاشة، أثبت الكتاب المتواضع أنه هبة عظيمة، كما تُظهرها مبيعات المكتبات. بالإضافة إلى هذه الأعمال الفنية الرائعة، فإن أي كتاب «محدود، مما يعني أنه سهل الإدارة والهضم»، كما يقول سام وينستون، وهو فنان مقيم في لندن. «إذا كنت تعيش في عصر يكون فيه التحفيز المفرط واضحًا جدًا، فإن الكتب هي أحد الطرق التي يمكنك من خلالها العودة إلى مستوى حسي مختلف.» مجرد إلقاء نظرة على هذه الأعمال ولمسها في عروض الكتب الجميلة أو معرض كتاب الفنانين الرائد في العالم، فالمخطوطة يمكنها أن تعيد الروح للكتاب، حسب خاتمة الفيلم. أما إذا تعذر ذلك، فهذا الفيلم بديل ممتاز كما تقول الإيكونيميست.
الخلاصة أن الفيلم يغطي عالماً لم يره أغلب الناس عن الجانب الفني والجمالي لصناعة الكتاب، وعبر حديث صُنَّاع الكتاب عن فنهم وشغفهم باعتباره أمراً مذهلاً، ملهمين بتجربتهم عشاق الكتاب.. هذا الفيلم يجادل بأن الإنترنت كان بمثابة عقبة، وليس انتكاسة للكتاب..