د. عيد بن مسعود الجهني
عندما أعلنت دولة الكويت الشقيقة نبأ التوصل لتفاهم لحل الأزمة الخليجية، اختطفت مكنة الإعلام الإقليمية والدولية الخبر المهم ليبلغ الثريا في نشره، وتقبله أهل الخليج والعرب والمسلمون والمجتمع الدولي بترحاب يستحقه.
وهذه الصحيفة السباقة قدمته في صدر صفحتها الأولى واختارت له عنواناً يرقى إلى مستوى الحدث (نشكركم على ما بذلته المملكة بالوصول إلى الاتفاق النهائي لحل الخلاف الخليجي) وهو ما عبر به سمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
إنه تجسيد حقيقي لمعنى الأخوة والمحبة الصادقة والتقدير المتبادل بين قادة وشعوب دول المجلس، التي بتكاتفها وتعاضدها وتضامنها على كلمة سواء يمكنها أن تحقق أهدافها وتتغلب على التحديات والصعاب مهما بلغ حجمها والتاريخ الحديث شاهد على هذا.
وكمتابع لتطور العلاقات الخليجية ــ الخليجية في حضن مجلسها أخرج بنتيجة مؤداها أنها راسخة والوشائج قوية لا تنقطع، والعلاقات الأخوية المتينة عبر العصور والأزمان بين شعوب هذه المنطقة وحكامها الذين يربطهم دين واحد ولغة وتاريخ وحدود ومصير واحد.
إنها علاقات قوية الأركان ثابتة البنيان لا تهزها ريح ولا تؤثر فيها غوائل الزمن، بينهم تواد وتراحم حتى أن أهل الخليج العربي قبل تأسيس مجلسهم عام 1981 بقرون عديدة كانت الحدود بينهم مفتوحة يعيشون وكأنهم عائلة واحدة.
وعلى رغم أن الاستعمار الخبيث الذي كان جاثماً على معظم بلاد العرب في هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية حاول جاهداً خلق شروخ في بنيان العلاقات وصنع صدوع في تلك الروابط إلا أنه عجز عن ذلك لمتانة تلك العلاقات وأصالتها الضاربة في أعماق التاريخ.
لذلك فإنه كلما هبت عاصفة على العلاقات بين دولة وأخرى من دول المجلس مهما بلغت قوة تلك العاصفة فإنها تعود إلى الهدوء لتختفي في نهاية أمرها.
التركيز الإعلامي واسع النطاق يؤكد الأهمية العظمى لمنطقة الخليج العربي محور الاقتصاد العالمي ومصدر قوة الحياة الاقتصادية لمخزونها النفطي الكبير، وتحديداً مجلس التعاون الخليجي صاحبة الموقع الاستراتيجي والمحيط النفطي الشاسع، فهي بنفطها وإستراتيجية موقعها واستقرارها السياسي وضمانها إمدادات النفط لسوق النفط الدولية تمثل رئة العالم التي يتنفس بها.
أهمية هذه المنطقة تتعاظم مع ازدياد حاجة العالم للنفط يوماً بعد يوم باعتباره أهم مصادر الطاقة يعبر للعالم من بوابة موقعه الاستراتيجي، يومياً بنسبة تصل ما بين 18 - 20 في المئة من احتياجات العالم من أغلى وأهم سلعة عرفها الإنسان.
لذا فإنها تلعب دورًا رئيسيًا في نطاق السياسات الدولية والعربية يؤثر إيجابًا أو سلبًا في صعيد العلاقات الدولية في العالمين العربي والإسلامي والدولي باعتبار الاستقرار السياسي والأمني لمنظومة مجلس التعاون وسيطرته على ثروة نفطية كبيرة يبلغ احتياطيها أكثر من (500) مليار برميل..
ومن المهم بيانه أن المبادرة جاءت واضحة المعالم صادقة النوايا مستندة على أن العلاقات بين الدول في معظم الأحوال لا يعني أنها لا تشوبها أبداً شائبة وأن مركبها يظل دائماً يسير على وجه من الماء هادئ لا موج فيه، فهذا ليس من طبيعة الأشياء، فالعلاقات بين الدول كالعلاقات بين الأفراد وحتى وإن كانوا أشقاء تعتريها النسائم مثلما تعتريها الأعاصير، ويصيبها البرد مثلما يصيبها الدفء.
ولذلك فإن العلاقات بين بعض دول المجلس تعرضت أحياناً لبعض الأعاصير. ولأن القادة يعرفون أهمية العلاقة بين دولهم وحتميتها وضرورتها هبوا جادين لترميم علاقتهم وفق منهج صريح واضح يراجع بعمق مفردات لعلاقات بتبني إعادة تقييمها وفق أطر وإستراتيجيات عملية تنهي حقبة الأعاصير التي هبت على تلك العلاقات، وتفكيك مرحلة ما وصلت إليه من تعقيدات أو قل عقبات، ووضع حاضر ومستقبل زاهر لتلك العلاقات ينعكس إيجاباً على مصالح المجلس ودوله وشعوبه.
هذه الدول يجمعها الجوار وقبل ذلك يجمعهما الإسلام ثم العروبة ظلت الظروف دائماً تهيئ الأحداث والمواقف التي تشحذ العلاقات بينها وتؤكد أزلية تلك العلاقات وحتميتها، وقد كان احتلال العراق لدولة الكويت الشقيقة واحداً من تلك الأحداث التي عمقت عود العلاقات القوي وسبرت غورها العميق.
وإذا حدثت خلافات في الرؤى فإنها مهما بلغت حدتها تصبح قشوراً، وإن طيب العلاقات لب أصيل لا ينكسر فقد وقفت دول المجلس في خندق واحد لدحر القوات العراقية التي احتلت دولة الكويت الشقيقة واختلط الدم الخليجي دفاعاً عنها حتى تحررت وانجلت للعيون أخوة الإسلام والعروبة والنخوة العربية القائمة على أصل الدين الحنيف.
اليوم ونحن في ساحة مبادرة شهيرة خلقها حكماء الخليج العربي ستشهد بزوغ نور جديد في تاريخ المجلس لا يقل عن فجر تأسيسه، فالمجلس مقبل على مستقبل أفضل، وإستراتيجية جديدة في كل المجالات ترسم نقطة ارتكاز في تاريخ العلاقات بين دول المجلس.
هذا الفجر الجديد سيكون قاعدة صلبة في دعم التعاون وتطويره وتعزيزه وبناء علاقات راسخة متطورة ومتكافئة بين دول المجلس متواكبة مع التحديات الإقليمية والدولية التي تتطلب قدراً كبيراً من التنسيق والتعاون والتشاور بين دول المجلس لعل التاريخ يكتب في صفحاته أن أعضاء دول المجلس عقدوا العزم على بناء جسور قوية لعلاقاتهم لا تهزها العواصف ولا تؤثر فيها التقلبات تخدم المصالح الواسعة وعلاقات إستراتيجية نسجها تاريخ تطور علاقات دول المجلس وسبل دعمها وتعزيزها.
ناهيك دعمها للقضايا العربية والإسلامية والدولية في أوضاع وظروف دقيقة وصعبة تمر بها المنطقة العربية مما يستدعي تكاتف القيادات للمساهمة في دفع عجلة دعم قضاياهم وقضايا الأمة، من خلال مجلسهم الذي يعد بحق تجربة رائدة متكاملة تتميز بالاستمرارية وصدقية ديمومته بعد التجارب والظروف والمتغيرات والتحديات الإقليمية والدولية التي مرت على هذا المجلس وحقق إنجازات عديدة..
***
المبادرة تؤكد إعادة وحدة ولحمة وكلمة الأمة الخليجية، وأن أمن واستقرار دول المجلس جزء لا يتجزأ، وتؤكد حقيقة واقعة أن المجلس ولد ليبقى.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة