بدأ المؤلف الدكتور محمد بن عبدالله الدويش بمقدمة، قرر فيها أن الضعف والقصور من طبيعة البشر وصفاتهم اللازمة، والخطأ تجربة بشرية ثرية للتعلم، إلا أن ذلك لا يسوغ لنا التهوين من شأن الخطأ، أو تبرير الوقوع فيه؛ فهو متضمن مفاسد، ويصدق عليه توصيف الله -جل وعز- للخمر والميسر بأن {إِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}.
ومن جملة المواقف ما قابله المؤلف في ميدان التعليم تحت عنوان «مع المشرف التربوي»؛ إذ يصف الواقع الضعيف للطلاب في تلاوة القرآن، وذلك في السنة الأولى له في التدريس، وكيف أنه في الحصة الأولى بمعية المشرف التربوي اختار موقفًا مختلفًا عن عادة المعلمين؛ إذ آثر أن يختار للقراءة طلابًا ضعيفي القراءة؛ ليتسنى للمشرف معالجة الموقف، ولاسيما لقربه من أصحاب القرار؛ فعاد عليه ذلك باللائمة، ولم يقبل المشرف حينها عذره في كون الخطأ والتقصير يعود للمعلمين السابقين عليه، وخرج من ذلك بدروس: أولها أنه في تفكيره إبان تلك الفترة نزع إلى التفكير المثالي الذي ظن فيه أن المشرف سيتفهم موقفه من زاويته هو؛ ومن ثم سيقدم له دعمًا ومساندة، وكان من الأولى به أن يفهم الكيفية التي يفكر بها الآخرون، ويتعامل معهم في ضوئها. وكذلك خرج من ذلك الموقف بضرورة الاعتراف بالمسؤولية، وتوزيع الأدوار بإنصاف بدلاً من تحميلها جهة واحدة. ربما هو موقف يتكرر كثيرًا لدى المعلمين، ولكن المؤلف كانت له معه وقفة، جعلت من الموقف ذا أبعاد نفسية وفكرية وأخرى سلوكية.
وتحت عنوان «أفقه مني في الشاي» يسرد المؤلف تجربة طريفة، بدأت بحوار ماتع مع عدد من الأفراد عبر سؤال فضولي، طرحه أحدهم عليه حول سر ولعه بالشاي، وحين بدأ بالحديث لم ينتبه لنفسه ولاستئثاره بالحديث وهو يسرد أنواع الشاي والنكهات التي تضاف إليه موقنًا أنه أفضل الحاضرين علمًا به، حتى تبيّن له أن أحد الحاضرين خبيرٌ في الشاي إلى الحد الذي امتهن الاتجار به! حينها يصف المؤلف نفسه وهو يتبادل الدور من المعلم إلى صف الطالب أمام غزارة علم المتحدث وسعة معلوماته، وعمق تجاربه مع الشاي. وخرج من هذه التجربة الطريفة بدرس مفاده أننا أحيانًا نتحدث بحماسة دون أن نعرف حقيقة الشخص الذي نتحدث معه. كما اعترف بأن عليه ألا يفترض أن الناس يتسابقون لمجالسته أو محادثته أو الإنصات إليه باهتمام. ومما تعلمه أيضًا أن طريقة إبرازنا خبراتنا أهم من خبراتنا نفسها.
وختم المؤلف كتابه باستدراك قرر فيه أن التعامل مع الخطأ يحتاج لتوازن؛ إذ الإفراط في لوم النفس قد يكون أسوأ من الخطأ نفسه. كما أن الإفراط في الاعتذار لها من أكبر عوائق التصحيح.
الكتاب يتضمن مواقف تربوية ودعوية مختارة بعناية من حياة المؤلف، لا نزعم أنها تتضمن تجارب مثيرة أو مغامرات شائقة وقصصًا خارجة عن المألوف.. هي مواقف بسيطة، ويشترك فيها الناس، ولكن يبدو أن الفرق الجوهري يكمن في القدرة البارعة على قراءة الرسائل الخفية الكامنة، والبراعة في الانتباه للحكم، والتقاط الدروس من وراء تجارب الحياة.