محمد آل الشيخ
أزمات تركيا أردوغان تتفاقم، وبخاصة أزماتها الاقتصادية، ولا سيما انخفاض التدفقات النقدية بالعملة الصعبة، ويبدو أن المستقبل سيكون أسوأ - كما تقول المؤشرات - نسبة لأوضاع تركيا في العقدين الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين.
الأوربيون يشعرون بقلق بالغ من أردوغان وطموحاته التي تشكل خطراً حقيقياً عليهم.. بايدن له موقف من تركيا وتصرفاتها في المنطقة، كما جاء في تسريب صحفي صدر منه قبيل فوزه بالانتخابات، وعلى ما يبدو أن أردوغان بدأ يشعر بأن شعبيته الداخلية ليست كما ينبغي بسبب المشاكل الاقتصادية التي تواجهها تركيا، وأن الخط البياني لشعبيته في تدهور مستمر، فالناس تهمهم أولاً أحوالهم المعيشية، وأنت مقبول شعبياً طالما أنك تقدم حلولاً لمشاكلهم الاقتصادية، والعكس صحيح؛ لذلك بدأ أردوغان يتراجع عن مواقفه العنترية باحثاً عن حلول.
هو الآن بدأ بمغازلة إسرائيل، ويسعى لفتح صفحة جديدة معها، يريدها أن (ترطِّب) علاقاته مع الأمريكيين والأوربيين، والتي يملك الإسرائيليون نفوذاً في أوساطها. إسرائيل على ما يبدو ليست متحمسة لتركيا، خاصة أن لها تجربة مريرة مع عنتريات أردوغان تستدعي ألا تثق به، فهو يتخذ اليوم موقفاً ثم يتخذ موقفاً مناقضاً له في الغد. كما أن هذا الرجل اكتنفه الغرور على ما يبدو، وهذا ما خلق له عداوات متعددة في العالم بالشكل الذي يجعل دعمه والوقوف معه من قبل إسرائيل سينعكس سلبياً على سياساتها الأخرى، خاصة سياساتها الجديدة مع دول التطبيع، والتي بينها وبين أردوغان خلافات جذرية وعميقة.
مصر هي الدولة الأخرى التي حاول أردوغان وما زال يحاول التصالح معها، بسبب وقوفها مع اليونان وقبرص وكذلك إسرائيل في مواجهة أطماعه في السيطرة على شرق المتوسط؛ وتقول بعض التقارير إنه عرض عليها تسليم بعض الإخوان المقيمين في تركيا، وحظر قنوات جماعة الإخوان المعارضة للقاهرة لقاء هذا التصالح، إلا أن المصريين لم يُبدوا حماساً لهذا العرض لعدم ثقتهم به، لذلك لجأ إلى تصعيد جبهة ليبيا لتشكل ورقة ضغط على المصريين؛ ولا يبدو أن هذه التصعيدات ستأخذها الحكومة المصرية على محمل الجد، لأنه لو صعَّد عسكرياً سيجد نفسه وحيداً، وبلا غطاء سياسي دولي، لذلك فإن أي تفعيل عسكري جاد على هذه الجبهة سينعكس عليه في نهاية الأمر.
أردوغان لم يبقَ له للخروج من المأزق الاقتصادي في الداخل، والمأزق السياسي في الخارج، إلا التلويح بالورقة الروسية، لابتزاز الغرب، وبالذات الأوربيين لإيقاف العقوبات التي يبدو أن فرنسا واليونان يضغطان لتنفيذها بقوة، وهذه الورقة لن تفيد أردوغان، وهو ما يدركه الأوربيون تمام الإدراك، لأن مشكلته مشكلة اقتصادية في الدرجة الأولى، وليس لدى روسيا من الإمكانات الاقتصادية والمالية ما يمكن أن تلبي معضلات تركيا الاقتصادية.
كما أن السير في هذا الخيار يعني حكماً طرد تركيا من الحلف الأطلسي الناتو، وإغلاق قاعدة ( انجرليك) التركية، والتي لها مردود اقتصادي في غاية الأهمية. لذلك فإنني أستبعد كثيراً قيام أردوغان بهذه الخطوة التي ستقلب أوضاعه الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية رأساً على عقب.
وإذا أخذنا في الاعتبار كورونا، وآثارها السلبية اقتصادياً فسنجد تركيا من أكثر الدول المتضررة من هذا الوباء، خاصة قطاع السياحة، الذي يغذي الاقتصاد التركي بالعملة الصعبة، التي تحتاجها تركيا لدعم عملتها التي تنخفض أمام الدولار بتسارع كبير.
كل ما تقدم يعني ببساطة أن أردوغان في وضع سياسي لا يُحسد عليه، فأغلب الدول المؤثرة في العالم هو على خلاف معها، وسيكون خروجه من السلطة في تركيا أمر مرحب به.
والسؤال الذي يطرحه كثير من المراقبين، وهم يرون أمل أردوغان في إعادة انتخابه بعيد الاحتمال مؤداه : هل في بلاد الأتراك من باستطاعته أن يحل محله، وينفذ سياساته التوسعية، التي تهدف لإعادة بعث الإمبراطورية العثمانية من جديد؟ .. يجمع المراقبون المهتمون بالشأن التركي على عدم توافر زعيم بمواصفات أردوغان، ولا سيما أن طموحات أردوغان، وخصوماته الدولية هي من أهم الأسباب التي أوصلت تركيا إلى ورطتها. ولا يبدو أن من سيأتي بعده سيراهن على هكذا رهانات فاشلة. أضف إلى ذلك نقطة في غاية الأهمية وهي أن تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وتحريض العالم الإسلامي على فرنسا، يشكلان للغرب تحدياً خطيراً على السلام العالمي، ولا يمكن لهم إتاحة الفرصة لمن سيأتي بعده أن يثير مثل هذه الإرهاصات الخطيرة.
إلى اللقاء