محمد ناصر الأسمري
أصدر البروفيسور ظافر عبدالله الشهري أستاذ الأدب والنقد في كلية الآداب بجامعة الملك فيصل رئيس نادي الأحساء الأدبي كتابًا توثيقيًّا لمسار حياة الشاعر إبراهيم خفاجي - رحمه الله -. ويمكن القول إن التوثيق كان أيضًا تشريحيًّا - دون تشجير - كما في اللسانيات؛ إذ صنف الشهري الكتاب إلى فصول، تتحدث عن شعر الشاعر في شتى الأغراض؛ إذ أشار إلى المضامين الشعرية في الشعر الوطني، والبُعد القومي، والشعر الغزلي، ثم درس الدكتور ظافر الأساليب الفنية من خلال اللغة والأسلوب بين لغة فصحى معممة وعامية وسط مهذبة، ثم تطرق إلى جماليات التصوير وجماليات الإيقاع في الأصوات والمقاطع والمفردات، وإيقاع البحور. وختم التصنيفات بالإشارة إلى أصداء تجربة الخفاجي، وما قيل من بعض المراثي في شاعر الوطن والناس.
في البدء كان للشاعر الخفاجي - رحمه الله - موقف قومي عروبي أصيل؛ إذ أشار الدكتور الشهري ص 57-58: (ولا يمكن للشاعر إبراهيم خفاجي أن يكون شاعر الأمة دون أن يكون لأهم قضية عربية مجال من اهتماماته الشعرية، تدفعه إليها غيرة الانتماء إلى ذات الأصل والدين واللغة، وها هو ذا في قصيدة بعنوان فلسطيني يؤكد حقيقة حتمية، لا ينكرها إلا جاحد مكابر، تتمثل في موقف المملكة حكومة وشعبًا من قضية فلسطين، وهو موقف ثابت لا يتزعزع فنجد الخفاجي يتغنى بهذه القضية التي لم تغب عن ذاكرة الشاعر السعودي رغم أنف المزايدين والمستأجرين). وينقل الدكتور ظافر القصيدة عن كتاب علي فقندش:
فلسطيني فلسطيني
أدافع عن أمل أمة
عقيدة وعزم في الهمة
وجيشي موحد الكلمة
بنوره يبدد الظلمة
للأمجاد يهاديني
تعيش يا فلسطيني
فلسطيني
فلسطيني
بلاد الإسراء والمعراج
عظيمة بنورها الوهاج
ربيع الخير للمحتاج كريمة بوفرة الإنتاج
بالخيرات تعطيني
تعيش يا فلسطيني
فلسطيني
فلسطيني
عمادي عودتي لأرضي
مرادي حكمها بيدي
منايا ومنتهى سعدي وغاية مطلبي وقصدي
وعلى المسار نفسه في الحس العروبي قال الدكتور ظافر: ومن مظاهر اعتزاز الخفاجي بالانتماء العربي مما قال عن سوق عكاظ في قصيدة قالها في إحدى دورات سوق عكاظ:
حي العروبة في عكاظ وذي الـ
مجاز الناطقين الضاد في كل اعتزاز
أحيوا تراث الفخر في أرجائها
أدب وشعر بالتسابق في الركاز
ذكرى لنابغة الزمان ومن له
حكم القريض بلا انحياز
ويشير الشهري ص 60: (إن الشاعر إبراهيم خفاجي وهو يتغنى بعكاظ إنما يؤكد أن هذه السوق لم تكن في زمانها للبيع والشراء فقط، وإنما كانت مركزًا ثقافيًّا له ملامحه الأدبية والاجتماعية والسياسية، التي يأتي إليها العرب من أنحاء الجزيرة العربية لعرض نتاجهم الثقافي، واستعراض مفاخرهم وأمجادهم).
كثيرة هي المواقف التي درسها الدكتور الشهري في شعر الخفاجي كما فعل سابقاه ماجد فيروزي وعلي فقندس - أعزهما الله -.
ومن الشعر الذي خلد اسم الخفاجي في سماء الوطن النشيد الوطني الذي يُعزف ويغنيه الشعب في المناسبات والاحتفالات، الذي جاء بطلب من الملك خالد - رحمه الله - واعتمده بعد ذلك الملك فهد - رحمه الله -.
ومدح الخفاجي ملوك الوطن ممن مضوا لرحمة الله، وكذا الملك سلمان - حفظه الله -.
أورد الشهري أبيات نظمها الخفاجي في الملك سلمان حين كان وليًّا للعهد:
سلمان سلم أمان حل في بلدي
ولي عهد المعالي سرها أبدي
الخير منذ بدا باليمن أرعده
شموله الحفظ تعويذًا من الصمد
غنى بها الدهر مرفوعًا بقامته
يطاول المجد بالآفاق بالمدد
لكن الشعر الغنائي العاطفي كان مما ميّز الخفاجي؛ إذ تجد اللوعة والهيام والغرام في كلمات شعره. ولعل من أشهر الأغاني التي تسعد النفوس بسماعها بصوت الفنان محمد عبده - سلمه الله - أغنية صبيا التي تغنى بها الخفاجي، التي تقول كلماتها
مثل «صبيا» ما تشوف
ناشرات الفل والنقش اليماني في الكفوف
والعيون الدعج من تحت المقالم فيها خوف
خوف يسبي الناظرين
يبتعث الحب الدفين
يا معين
اعذروني في الهوى يا أهل الملام
والسبب نظرة وربي قد بلاني السهام
لو حصل مرة ومحبوبي دعاني باهتمام
أنسى روحي والأنين
والهوى عندي مكين
ولا يمكن إغفال أغنية ذات طابع شعبي جميل، هي أشوف كل يوم وأروح، نظمها الخفاجي في عامل في محطة إصلاح إطارات، كان يجلس كل يوم ينتظر إطلالة حسناء من شبا أمام المحطة، وعندما عرف الخفاجي السبب قال:
أشوفك كل يوم وأروح عسى النظرة ترد الروح
أعيش فيها عشان بكرا عشان ليلي اللي كله جروح
وما دام النظر مسموح أشوفك كل يوم وأروح
صحيح النظرة ما تكفي من الآلام ما تشفي
ولكن عذرنا الحاضر نراعي الوقت والخاطر
وما دام النظر مسموح أشوفك كل يوم وأروح
رحل الخفاجي إلى رب رحيم، وعمّ الحزن مناحي الوطن، ورثاه شعراء كان من أبرزهم الشاعر السفير محمد صالح باخطمة، وأوردها علي فقندش، من ذلك:
تعب المغني وأهل العشق ما تعبوا
من وقدة الوجد كم هاموا وكم طربوا
هم الشجيون فاض العشق فانفتحت
نوافذ البوح كم قالوا وكم عتبوا
وفي الحجاز شجي فاق من وفدوا
فاسمع الكون قولاً دونه الطرب
فيه الصفاء بأكواب معتقة
من العفاف يجليه فنسكب
حمام مكة غنى فوق أيكته
هذا الخفاجي في شدو له عجب
يا مبدع القول إن نظمًا وإن زجلاً
ماذا تركت لمن قالوا ومن كتبوا
هم قلدوك مرارًا أنت سيدهم
فأنت أنت سواهم عرضهم طلب
قالوا كلامًا وقد سطرت أروعه
هو السلاف رحيقا حين ينسكب
فأنت نجم النجوم وأنت رائدهم
وعند قولك نصغي ثم ننتصب
شكرًا لأخي البروفيسور ظافر الشهري على كريم عنايته بالشاعر إبراهيم خفاجي - رحمه الله -، وعلى إهدائه الجميل لي بخطه الأنيق.