د.شريف بن محمد الأتربي
كثيرًا ما ألبي دعوات لحضور دورات تدريبية إما مدربًا أو متدربًا، وكثيرًا ما كنت -في بداية شبابي- أسأل نفسي لم هذه الدورة؟ ما الهدف من حضورها؟ وماذا سأستفيد منها؟ وكانت الإجابة تأتي متأخرة أو لا تأتي مطلقاً ويذهب التدريب والمادة العلمية والمدرب نفسه إلى طي النسيان ويبقى الأثر في غيابات الجب لم يلتقطه أحد من السيارة لأنه لم يحقق هدفه، أو بالأحرى لم يكن محددًا من البداية، حيث غالباً ما يكتفي القائمون على التدريب بطرح مجموعة من الدورات على الإدارة ظاهرها فيه المعرفة وباطنها فيه لا شيء من ذلك.
لقد كان حديثي الشيق مع أخي وصديقي العزيز نايف العوين، وهو من الأشخاص الذين يشهد لهم الجميع بدماثة الخلق وحلو الحديث في الحياة بشكل عام وفي التدريب بشكل خاص، خاصة أنه أمضى أكثر من 25 عامًا فيه كمسؤول ومشرف ومنسق. كان الحديث هذه المرة مفعماً بروح التفاؤل والنظرة المستقبلية حيث دار حول اقتصاديات التدريب ودوره في تحديث أداءات الموظفين في ظل جائحة كورونا التي طال أثرها جميع جوانب الحياة.
وقد توقفنا كثيرًا عند مصطلح اقتصاديات التدريب، وأهمية استثمار العائد منه، أو بمعنى أدق الاستثمار في العنصر البشري، ولعلي أشير في البداية لمعاني بعض المصطلحات المرتبطة بهذا الموضوع، وأولها التأهيل، حيث يشير مصطلح البرامج التأهيلية إلى أنها: «جميع البرامج العلمية التي تقدم للمستهدفين بهدف الحصول على درجة علمية (بكالوريوس، دبلوم عالٍ، ماجستير، دكتوراه)».
وثانيهما التدريب، حيث يشير مصطلح البرامج التطويرية (التدريبية)، أنها عبارة عن برنامج تعليمي مكثف مُكمل؛ وليس برنامجاً أساسياً؛ أي أنه يُبنى على خبرات تأسيسية سابقة، ويستهدف فئات معينة وتكون على دراية بالسياق التعليمي ولديهم الرغبة في مواصلة البناء التراكمي للخبرة العلمية والعملية السابقة، وقد يكون حضور الدورة التدريبية بدافع شخصي بحت من المتدرب، أو بتحفيز من الإدارة التنفيذية التابع لها المتدرب. وثالث هذه المصطلحات هو التوعية، التوعية: مصدر وعى، وهي التفهيم والتوضيح والإرشاد. وهي مأخوذة من الوعي، وهو الحفظ والفهم والإدراك والعمل. والأصل في الوعي ضم الشيء. وما التوعية إلا ضم معلومات إلى معلومات. وهي بمثابة إفهام الغير وتحفيظهم ما ينبغي عليهم فعله وإرشادهم.
وبالعودة لهذه المصطلحات الثلاثة، نجد أن أغلب الموظفين يخضعون إلى التأهيل من خلال دراستهم على اختلاف مستوياتها الجامعية أو المهنية (دبلوم مهني)، أي أنهم قد حصلوا خلال مدة دراستهم على المعرفة والمعلومات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتخصصهم المهني، وكل هذه المعلومات يتم توزيعها على سنوات الدراسة من خلال الخطة الدراسية للكلية أو القسم، والتي تشمل عشرات المواد الأخرى التي لا ترتبط بالتخصص لكنها ترتبط بمتطلبات الحصول على الشهادة من ساعات الدراسة أو عدد المواد التي ينبغي دراستها لنيل الشهادة. وبمجرد الحصول على الشهادة والانخراط في العمل؛ يبدأ العقل تلقائيًا في فلترة المعلومات المخزنة لديه بحيث تظل المعلومات المتعلقة بمجال المهنة هي الظاهرة والحاضرة والجاهزة للاستدعاء والاستخدام، بينما المعلومات الثانوية تندثر ويغشاها النسيان غالبًا. ومع الانخراط في العمل تبدأ مرحلة جديدة ومهمة جداً في حياة الموظف حيث تبدأ مرحلة جمع الخبرات وحفظها تراكمياً على مدار سنوات العمل وهذه الخبرات تنقل من خلال بيئة العمل من الرئيس إلى المرؤوس، أو من الند للند، وتظل هذه المعلومات هي مصدر المعرفة الوحيد للموظف- ما لم يطور نفسه ذاتياً- حتى يخضع للمرحلة الثانية من حياته المهنية، وهي التدريب. وفي هذه المرحلة تبدأ إدارة المؤسسات التي يتبعها الموظفون في إرسالهم إلى دورات سواء داخل مقرات العمل أو خارجه، بهدف إكسابهم المعرفة المهنية الحديثة وزيادة احترافيتهم المهنية في العمل وبالتالي زيادة إنتاجيتهم.
أما الوعي فهو عملية مستمرة -من المفترض ألا تتوقف لأي سبب- داخل المؤسسات تهدف إلى تحديث المعلومات المرتبطة بمجال العمل بصفة دورية، ويقوم بها غالباً القائمون على مركز المعلومات في تلك المؤسسات. ويهدف الوعي إلى إحاطة الموظفين علماً بأحدث المعلومات في مجال عملهم، وليس تخصصهم المهني حيث إن كثيراً من الموظفين يعملون في غير التخصص العلمي لهم، لذا تنصب حملات التوعية على نشر أحدث المعلومات والمهارات والمعارف داخل المؤسسة دون التأكد من استيعاب الموظفين لها، وبالتالي تتجه هذه المؤسسات إلى التدريب المباشر لتوطين هذه المعرفة في أداءات عمل الموظفين.
وهذه العملية التدريبية لا بد أن يكون لها جدوى اقتصادية على أداء المؤسسة، وهو ما سبق الإشارة إليه بمصطلح اقتصاديات التدريب، خاصة في الوقت الحالي مع ظهور فيروس كورونا أو كوفيد - 19 ومسارعة الكثير من المؤسسات إلى التوجه نحو التدريب عن بعد وخضوع الموظفين لعدد كبير من الدورات التي يتعلق بعضها بمجال العمل والبعض الآخر توعوي فقط.
ولعلي أختم مقالي هذا بمفهوم شولتز Theodore W. Schultz للاستثمار في رأس المال البشري؛ حيث أشار إلى ضرورة اعتبار مهارات ومعرفة الفرد شكلاً من أشكال رأس المال الذي يمكن الاستثمار فيه، وأن هذا الاستثمار قد حقق معدلات أسرع للنمو في المجتمعات الغربية عما حققه الاستثمار في رأس المال المادي.