زكية إبراهيم الحجي
الاستهلاك من أسباب ديمومة الحياة.. عالم الحيوان وعالم النبات يستهلك الغذاء ليبقى ويستمر.. الإنسان ولسنين خلت كان يعتمد على الصيد والبحث عن الغذاء من البيئة التي يعيش فيها وإن انتفت الموارد كان الترحال سبيله.. يقطع المسافات طولاً وعرضاً بحثاً عن موارد العيش وهكذا تمحورت علاقته حول الاستهلاك البسيط.. فإذا ما نظرنا إلى تلك المجتمعات القديمة من منظور عصرنا الحالي سنجد أن إنسان ذلك الزمان يعيش الفقر بعينه.. إنسان فقير لا يعمل ولا يمتلك منزلاً يأوي إليه أو لديه أرصدة مالية في البنوك ومع ذلك كان قانعاً راضياً بما قسمه الله له.
في ضوء ما سبق وفي ظل الانفتاح والتطور الذي نشهده اليوم على مختلف المستويات ربما يطرح البعض السؤال التالي هل ممارسة الاستهلاك ممارسة معاصرة.. أم ممارسة قديمة لها جذورها التاريخية؟ والحقيقة أن ولادة الثقافة الاستهلاكية بدأت منذ نشأة المجتمعات الصناعية فكان لهذه المجتمعات دور كبير في تشكيل ثقافة الاستهلاك كونها أصبحت تسهم في تشكيل عوامل متعددة تُمارس تأثيرات متنوعة على الفرد المستهلك.. لذلك بقيت ولا زالت ظاهرة الاستهلاك أسيرة للاهتمام العملي من قبل أصحاب المشاريع التجارية وأيضاً المشاريع الصناعية سواء كانت محلية أو عالمية.. ومن الطبيعي أن يُفضي ذلك إلى انعطافة نحو توجهات وسلوك المستهلك ما يؤدي إلى اندفاعه إلى حد المبالغة في الإسراف دون وعي في شراء السلع المختلفة.. وبالتالي أخذت حمى الاستهلاك تتوالى فصولاً بوتيرة متزايدة حتى شهدنا في الفترة الأخيرة مؤلفات جل محتواها يعرض وصفاً تسويقياً لكثير من السلع كالسيارات والأغذية والإلكترونيات ومنتجات البشرة وأحدث صيحات الموضة وألعاب الأطفال وغيرها من السلع.. وقد ساعدت وسائل الاعلام والإعلانات والدعايات في الترويج لهذا النشاط ما جعل توجهات المستهلكين وما يرتبط بهم من أنماط سلوكية تعكس مدى تأثرهم بما توظفه تلك الوسائل من ترويج للسلع فيشعر المشتري أنه بحاجة للسلعة لغرض ما في حين أنه ليس كذلك.. وفي ظل أيدولوجيا الاستهلاك المفرط وسيادة الثقافة الاستهلاكية وأيضاً ليس بمنأى عن التطورات التي تشهدها المجتمعات في مجال العلاقات التجارية بين دول العالم ووصول حمى الانتاج إلى حدود لم يكن باستطاعة النزعة الاستهلاكية للأفراد أن تخمد وبات الأفراد بمختلف الفئات العمرية وتنوع الطبقات الاجتماعية أكثر تأثراً بمتغيرات السوق وتحولت ذواتهم تحت ذلك التأثير إلى ذوات خاضعة وأصبح الاسراف في امتلاك الاحتياجات باهظة الثمن المقياسَ الذي يحدد قيمة الإنسان ومكانته.
من المؤسف أن تكون الثقافة الاستهلاكية في عصرنا الراهن عنصراً من عناصر كل ثقافة وذلك نتيجة لما تمارسه مختلف المصادر من تأثير على سلوك الإنسان نحو الميل إلى الاستهلاك المجنون وجعله هدفاً.. واستخدام مصطلح «ثقافة الاستهلاك» وربطه بأسلوب الحياة والتميز الاجتماعي هو تأكيد مبطن بأن عالم السلع والمنتجات بمختلف أنواعها والمبادئ التي تقوم عليها والترويج لها يقضي على الذات الإنسانية مادياً ومعنوياً.