مها محمد الشريف
بدأت عمليات موسعة للقاح ضد فيروس كورونا في المملكة العربية السعودية قبل نهاية العام الجاري، بينما قالت دول أخرى إنها ستقوم بذلك خلال الأشهر الأولى من 2021. ما من شك إن العالم يزداد صمودًا كلما تربصت به الكوارث. إنها بنية جوهرية أساسية للحياة التي يعيشها الناس، ويعبّرون عن علاقتهم مع ظروف عيشهم، بل عن الكيفية التي يعيشون بها مع تلك الظروف، والقدرة على التعافي الاقتصادي في ظل هذه الجائحة. ويجري القول هنا عن فترة زمنية بالغة الصعوبة، أصابت قلب الصحة وروح الاقتصاد، ولكن الدولة عملت خلال هذه الجائحة بنجاح كبير، وانعكس ذلك على التقارير والبيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي «ساما» بارتفاع إجمالي الأصول الاحتياطية بنحو 37 مليار ريال بشهر نوفمبر 2020؛ لتبلغ قيمتها 1858 مليار ريال.
يبدو أن الواقع اليوم يتسارع مع الأزمة غير المسبوقة التي شهدها الاقتصاد العالمي في 2020، التي أرغمت العالم على درس جديد بمفاهيم جديدة؛ فلكل مرحلة رهاناتها وأجهزة خطاباتها، ترسم مساراتها وأدوات عملها على عكس الأزمات السابقة؛ وهو ما يستدعي إيجاد نموذج التفاعل المستمر بين الدول من خلال الفعل التواصلي؛ إذ دفعت الاقتصاديين ومتخذي القرار إلى حلبة غير اقتصادية، تتحول فيها الفاعلية إلى سياسية أكثر من كونها اقتصادية، وتأخذ الصور اليوم طابعًا مختلفًا تسيطر عليه مراكز البحوث العلمية الطبية؛ فلا يمكن الزعم أبدًا أنه الاقتصاد فقط.
قد يبدو العالم غير قادر على الاشتغال إلا باستعادة الواقع كموضوع يطوي صفحة 2020، ويبدأ بصفحة جديدة للعام الجديد، ويجعله عامًا استثنائيًّا قادرًا على التعبير عنه؛ لأن صورة الواقع ومنزلته تتغير بالمتغيرات إلى تفرضها الظروف. أي إن الظروف تحدد مفاهيمه وتمثلاته كلما عمل على تجديد نفسه. فالحقيقة موجودة في الواقع، وما على العقل إلا إدراكها واكتشافها. فالبعد الاقتصادي أصبح تطويعًا يهدف إلى تعافٍ تدريجي.
وهو الأمر الذي يمثل التصور الاقتصادي فكان أقرب إلى نسبة الانكماش في عام 2020 إلى 4.4 في المئة، وهي نسبة أقل حدة من النسبة التي كان يتوقعها صندوق النقد الدولي في شهر يونيو الماضي، وذلك يعكس نتائج إجمالي الناتج المحلي التي كانت أفضل من المتوقع في الربع الثاني من العام، وبشكل خاص في الاقتصادات المتقدمة، التي بدأ النشاط يتحسن فيها بسرعة أكبر مما كان متوقعًا بعد تخفيف الإغلاق العام في شهرَي مايو ويونيو.
إننا نرى بشكل بديهي أن العام 2020 غيّر وجه العالم، واجتمعت الدراسات التي بحثت في أغوار الصحة والمرض مستعينة بأدوات الأبحاث الطبية في علم الأوبئة، ومصادر المعرفة، وتجارب بيولوجية في فهم أسباب المرض. وحققت تلك الظروف المستحدثة زخمًا قويًّا، دفعهم إلى البحث عن الأسباب غير المعلومة عن وباء كورونا كوفيد 19 بعد أن ساد جو من الفزع خلال تلك الفترة من الوباء الذي أودى بحياة 1.6 مليون شخص، وتسبب بخسائر اقتصادية تقدر بتريليونات الدولارات. ومن الزاوية الأخرى، تعد التجربة بمنزلة الاختبار الأساسي لهذه الجائحة. والدراسات القائمة على الملاحظة والمراقبة مؤشر دال على انخفاض الخطر. والمرحلة القادمة يظل شعار «الصحة أولاً» في مقدمة الاهتمامات المجتمعية متقدمة على باقي الاهتمامات الأخرى، شريطة أن يبقى علم الأوبئة بمقدمة أولويات الأبحاث الطبية لمنع حدوث جوائح أخرى في المستقبل.