د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** يُخلي الراحلون أماكنَهم فيجدُ الخلفُ مواقعَ لهم ليصبحوا سلفًا بعد حين، وفي القانون الأول من قوانين الحركة «الثلاثة» كما قعَّدها «إسحق نيوتن 1642- 1727م» فإن الجسم الساكن يظلُّ في سكونه والمتحرك لا تتغيّر سرعتُه إلا إذا وقع تحت تأثير قوة خارجية»، أما القانون الثاني فينصُّ على أنَّ «القوة تُكسب الجسمَ تسارعًا طرديًا مع قوته وعكسيًا مع كتلته»، ووعيُنا للحركة في بعدها «الإنساني» ذو مساسٍ بتبدلات العمر؛ ففي الصِّبا زمنٌ لا يعِي الحركة، وفي الشباب استبطاءٌ لها، وفي الكهولة تأملٌ فيها، أما الشيخوخة فانتظار السكون.
** المسافرُ يؤوب، والمقيمُ يغيب، والقوةُ الإلهيةُ العظيمة تحركُهما وفق مشيئتها؛ فقد لا يشبُّ طفل ويُطيلُ المُكثَ هرِم، وأيقن «عبدالرحمن شكري 1886- 1958م» أنَّ «رحمة الله لفظته يافعًا»، في حين أيقن «أحمد الصافي النجفي 1897- 1977م» أنه سيسخر من التسعين التي لم يبلغْها فمات في الثمانين، وتجاوز شكري السبعين وقد برم بالعشرين، وكذا فحِراك الزمن ليس بأيدينا، ومشيئة الله تعالى تحدد موعدَ الرحيل.
** كذا يتبدّى جانبٌ حيويٌ في معادلة الحركة والسكون متصلٌ بمسافات الزمن، وتُطلُّ جوانبُ أُخرُ معنيةٌ بمسافات العقل الراكد والرائد، ويبدو أنها ممتثلة لقانون نيوتن الثالث المتصل برد الفعل المضاد للفعل في الاتجاه المساوي له في المقدار، وحين يتحقق الفعلُ فالأمرُ في إطاره، أما الاقتصار على رد الفعل فثباتٌ وقت الحركة وجمودٌ في محطات العمل.
** مرَّ التأريخُ أمام الجيل المخضرم فعاشوا عقود حياتهم قرونًا، ولم يكلفهم تصورُ الحياة القديمة أكثر من استرجاعِ ماضيهم، وتعايشوا مع المتغيرات الضخمة فتفوقت الحركة على السكون، لكن الفعل لم يتجاوز ردودَ الفعل إلا قليلًا، واستهلكت معظمَنا جدلياتُ الهُوية والحداثة والتقليد والتجديد، وسادت روح التوجس والتحسس، وحين خبت قليلًا فشت لغة المحاسبة وبدت روحُ التدابر، وهو ما يشي بسكونٍ قلقٍ زمن الحركة الدائبة.
** في عالم النشر الثقافي توقفنا أمام قضايا ساخنةٍ لو تأخرتْ قليلًا لما التفت إليها أحد، وهو دليل اختلاط الحركة بالسكون دون قوانين تحكمها، ويُصرُّ ثلل فينا على استعادة مواقفَ آفلةٍ ليستثيروا الطيف المقابل، وقد يتبعهم العامة بتصديق، ويؤججها الطيف الآخر بتصفيق، والهدفُ تسجيلُ أهدافٍ متسللةٍ لا تعنيها إشارةُ الحكم.
** تحتاج الأربعون عامًا الماضية إلى مؤرخين ثقاتٍ يرصدون أبعادَها وآثارها بصفتها حقبةً ضمت ثلاثة أعصر؛ ما قبل الصحوة وخلالها وما بعدها، ويتولون تفكيك الحركة والسكون وفق قوانين ثقافيةٍ سَبقت إليها أممٌ وسِيقت أخرى، وإذا برئت من الأدلجة والأهواء فستكون منارًا يُضيءُ مسارات هذه الأعصر، وتستجيب للتطلعات كما التحديات.
** للتغيير قوانينُه العلميةُ والاجتماعيةُ والفلسفية، وقد رصد صاحبُكم شيئًا منها وعنها في كتابيه: (وفق التوقيت العربي: سيرةُ جيلٍ لم يأتلفْ/ و: سيرة كرسيٍ ثقافي) وإن أسعفه الزمن فقد يكملهما بثالث.
** القانونُ يسودُ فيقود.