رمضان جريدي العنزي
أعجب كثيراً من الذين يهدرون أوقاتهم بالبغض والكراهية، وينشغلون بالشقاق والنفاق والفظاظة، ويعيشون النرجسية والغرور، لا سيما الذين بلغوا من العمر عتياً، وهم الذين يعلمون جيداً بأنهم راحلون ذات يوم بعد حياة قصيرة تشبه البرهة، وسيكونون مجرد ذكرى عابرة، أعجب لهؤلاء لماذا لا يتنفسون الحب في البقية الباقية من أعمارهم، ويعيشون الهدوء والسلام والدعة، إن على هؤلاء البعض من الناس أن يعيشوا الحياة الحقيقية مع تقدمهم في العمر، عليهم أن يدركوا قدر الأشياء الأقل قيمة والتي أهدروا أوقاتهم من أجلها دون فائدة، عليهم أن يصبحوا أكثر وعياً وتفهماً للواقع، وأن يترفعوا عن توافه الأمور التي لا تهم، عليهم أن يفتحوا أبواب القبول، ونوافذ الرضا، عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم من أجل العيش بهدوء، عليهم أن يستمتعوا بحياتهم ويجعلوها ذات معنى ومغزى، عليهم أن يتقبلوا الآخرين ويعيشوا معهم بسلام بعيداً عن السخط والمشاغبة والتحدي والمناكفة، عليهم أن يبتعدوا عن السلبية، وأن ينحوا منحى الإيجابية، عليهم أن يجعلوا ما تبقى من حياتهم أفضل جزء في حياتهم، وأن ينظروا للحياة والناس بواقعية صافية، بعيداً عن الظلامية والرماد والغبش، عليهم أن ينشغلوا في حياتهم فقط دون الانشغال في حياة الآخرين والأنخراط في انتقادهم وتتبعهم وهمزهم ولمزهم، عليهم أن يبتعدوا عن العنف والقسوة وينخرطوا في المحبة واللطف والسلام، عليهم ألا يفكروا أكثر من اللازم، وألا يعيشوا التوتر والقلق لأنهما أعداء السعادة، عليهم ألا يستسلموا لليأس والإحباط مهما كانت العوامل والظروف والتحديات، عليهم ألا يقنطوا، وأن ينيروا الدروب لأنفسهم، ويزرعوا لها شتلات الأمل، وحدائق السعادة، وقناديل الفرح، عليهم أن يبتعدوا عن الوهم والتوهم، ويعيشوا الحقيقة بكل تفاصيلها الواقعية، عليهم أن يبتعدوا عن التشاؤم والتطير، فكما هناك ظلام حالك، هناك بصيص نور ينير الأمكنة المظلمة، عليهم ألا ينظروا للنصف الفارغ من الكوب، بل عليهم النظر إلى النصف الممتلىء منه، عليهم أن يجددوا حياتهم، وأن يبتعدوا عن الروتين الممل والتعقيد، عليهم أن يتركوا بصمة جميلة في كل محطة من محطات حياتهم، وأن ينقشوا أسماءهم في ميادين البذل والإحسان والبر والعطاء، عليهم أن يعيشوا جوهر الحياة، ويبتعدوا عن قشورها ومزالقها ودهاليزها، عليهم ألا يؤجلوا كل شيء جميل وسعيد ومفرح، بل يجب عليهم المسارعة في جلب السرور والسعدة والفرح، عليهم أن يعيشوا حياتهم بكل ظروفها ببساطة واستمتاع، ولا يرتهنوا للخوف والتوجس والقلق والحسرة والتحسر، عليهم ألا يعيشوا بقية حياتهم بعقلية البخيل والخازن والشحيح والحريص والجامع والممسك، بل عليهم أن يستمتعوا بقية حياتهم بكل ما وهبهم الله من خيرات ونعم، عليهم أن يمارسوا الفرح بعيداً عن الحزن والألم والانكسار والأسى والتأسي، وليعلم هؤلاء بأنهم يقفون في محطة وقتها قصير ليعبروا منها إلى محطة أخرى أكثر بقاء وحياة واستدامة وخلوداً.