د. تنيضب الفايدي
امتزج حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفوس أصحابه رضوان الله عليهم حتى أنهم لا يستطيعون الصبر عنه، بل إن أحدهم ليخشى على نفسه الموت إذا لم يشاهد رسول الله، فقد روى البيهقي في الشعب عن الشعبي قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «لأنت أحبّ إليَّ من نفسي، وولدي، وأهلي، ومالي، ولولا أني آتيك فأراك لخشيت أني أموت».
ومن المعلوم أن أمل كل مسلم ومسلمة محبة الله تعالى، ثم محبة رسوله، وارتبطت محبة الله سبحانه وتعالى باتباع رسوله، قال تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} آل عمران 31، ومحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله، شرط للإيمان، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه (ثلاثٌ من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما أن يكره أن يقذف في النار). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إيه من والده وولده والناس أجمعين)، متفق عليه. ومحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تعتبر إقراراً بالجميل، واعترافاً بالفضل، حيث إنه بلَّغ الرسالة وتحمَّل في ذلك الكثير من المصاعب والمشاق، كما واجه أصنافاً من العداء وجاهد وصابر حتى انتشر النور الذي جاء به، لذا فإن النفس تأنس بحبه، ويشرح حبّه الصدر، ويسكن إليه القلب، وتستنير السرائر بصدق محبته وتفيء إليه المشاعر، وتحلو به الحياة، كما أن حبه مع قليل العمل يدخل الجنّة، فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بينما أنا والنبي -صلى الله عليه وسلم- خارجان من المسجد فلقينا رجلاً عند سدّة المسجد، فقال: يا رسول الله: متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ما أعددتَ لها؟ فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددتُ لها كبير صيامٍ، ولا صلاةٍ، ولا صدقةٍ، ولكنّي أحبّ الله ورسوله، قال: «أنت مع مَنْ أحببْتَ».
وقد تعرض رسول الله لأنواع من الأذى والهجوم عليه، وعلى الرسالة التي أتى بها، وذلك من قبل الكفار واليهود والنصارى منذ بدء رسالته وحتى الآن، وذلك من منطلق حقيقة ذكرها الله سبحانه وتعالى {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..}البقرة 120. ولكن الله سبحانه وتعالى حماه وانتشر نور الإسلام. قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} الصف:8، ولذلك لا غرابة أن تتجدد الهجمات على شخص النبي الكريم من فترة لأخرى، مع تنوع تلك الهجمات، فتارة يتم استخدام «الكاريكاتير» كنوع من السخرية والاستهزاء، وأخرى يتطاولون عليه بتعدد الزوجات، ويفسرون ذلك حسب أهوائهم وأحقادهم، كما يتهمونه بأنه قد نشر الإسلام بالسيف، ويتطاولون على كتاب الله القرآن الكريم ورفضوه وطعنوا فيه، وفي أسلوبه وفي كلماته، وتارة يؤذون المسلمات في حجابهن..إلخ، كما أن اليهود الحاقدين والنصارى المتطرفين يواصلون الهجوم على المبعوث رحمةً للعالمين، مستخدمين كل وسائل الإعلام الحديثة، وقد أدى هذا الهجوم الشرس الحاقد على النبي الحبيب إلى تآلف المسلمين جميعاً في شتى بقاع الأرض، كما أدى إلى انتشار الإسلام ولاسيما بين الدول الحاقدة عليه، كما كشف صدق محبة المسلمين للرسول الكريم وعمقها وقوة تلاحمهم للدفاع عنه، وعن النور الذي جاء به، بل كانت الهجمات حافزاً لدراسة سيرته، ونشرها بينهم، مع اعتزاز كل مسلم بتلك السيرة العطرة التي تملأ نفوسهم حباً ووفاءً وأملاً في استشراف المستقبل، وانتشار النور المبين الذي أتى به الرسول، كما زادهم إصراراً على الدفاع عن حبيبهم وقدوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، مع سعة الصدر، ورجاحة العقل والتسامح، واللطف، والرفق، تمثلاً لأخلاقه الكريمة لاشتمال تلك الأخلاق على جميع خصال الخير، حيث التمام والكمال في كل فعل فعله وفي كل قول قاله، وفي ما أقره -صلى الله عليه وسلم-، فهو الكامل خَلْقاً وخُلُقاً.
وكما حفظ الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً في حياته، وحفظ القرآن الكريم، إضافة إلى حفظ السنة المباركة قولاً وعملاً وإقراراً، سيحفظه سبحانه وتعالى ويحفظ ما جاء به إلى يوم القيامة، فقد قال الله تعالى {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} الطور:48 أي: بمرأى ومنظر منا نرى ونسمع ما تقول، ونرى ما تفعل، ونحوطك ونحرسك ونرعاك ونظهرك على أعدائك، وننصرك عليهم، ونحفظك ونحفظ رسالتك أثناء حياتك وبعدها، لأنك «بأعيننا».