عبده الأسمري
انقضى عام 2020، العام «الأعمق» رسوخًا في الذاكرة، و«الأكثر» شروخًا في الأنفس.. مضى وقد غمرت أحواله «الزمان»، واستعمرت آلامه «الوجدان»..
لم يكن عامًا عابرًا مثل غيره.. فقد أبقى عبرات «القدر» في أحداثه، وترك اعتبارات «العبر» في أحاديثه.. مستوطنًا شجون «النوائب» وشجون «المصائب» في تدهور اقتصادي وتهور بشري.. ليكون «العالم» في دوائر «ابتلاء» موحدة، ومصائر «بلاء» متحدة.. فتوحد خطاب البشر من كل القارات تحت مظلة «ضعف» مخجل، أبانت «الحجم» الأساسي للإنسان، و«المعنى» الحقيقي للمخلوق، وبات «الحذر» عنوانًا، وضع الكرة الأرضية بأسرها تحت مظلة «الحظر».
لقد طغى الإنسان وتجبّر كثيرًا في أبعاد كثيرة من هذا الكون. مارس القتل والاستبداد، ووظّف الجشع والطمع، وتجاهل الوفاء والصفاء، وغاص في قعر «الأنانية»، وسقط في «عمق» الذاتية.. لبس الأقنعة، وتلبّس الزيف.. صادر من حياته «التكافل»، وألغى من قاموسه «التعاون»، وأخرج من سماته «الخشية»، وأبعد عن معيشته «الرحمة»؛ فتحول إلى «كائن» متجبّر، ونسي فجائية البلاءات، ومباغتة الابتلاءات.. فظل عائشًا في محيط التغافل متعايشًا مع مدار التجاهل؛ فجاء «فيروس» لا يُرى بالعين، وإنما مجرد «كائن» يتكاثر في الخلايا؛ ليستعمر «مملكة» المخلوق، ويجعله في مواجهة حقيقية مع «مكانته» التي يتباهى بها، ومعركة واقعية مع «إمكانياته» التي يتفاخر بها؛ لتكون النتيجة «هزيمة» معلنة بكل تفاصيلها.. وسط مقاومة لا تتجاوز احتياطات وتحذيرات أمام «غموض» سابق، و«مجهول» قادم..
في عام 2020 سيطرت الغرابة التي دخلت «حيز» الحقيقة، وحلت الكآبة التي احتلت «أفق» الواقعية كثمن باهظ، تم دفعه من جراء موجات الوقائع المريرة التي تراوحت بين إفلاس شركات، وتسريح عاملين، وتبدد أمنيات، وضياع خطط، وغياب نتائج، وخسائر اقتصاد، وتأخُّر أهداف، وتعقيد علاج.
عام استثنائي في الويلات التي تركها؛ فقد أُقيمت «سرادق» العزاء في نواصي الشوارع، وأبكت «المواجع» الملايين في العالم الذين اقتنص منهم فيروس «كورونا» أقارب وأحبابًا وأصدقاء بدون مواعيد، وبلا مقدمات، في وقت باعد فيه الوباء بين البشر في الأفراح والأتراح، وأجبر البشر على «عزلة» إجبارية، عرفوا وقتها قيمة «الحرية»، وفهموا حينها نعمة «الصحة»..
في عام 2020 انحرم الناس حتى من توديع «المرضى» ووداع «الموتى» في إقصاء مؤلم لكل رباط بين الإنسان والآخر؛ حتى يعلم البشر أن هذا الوباء ما كان إلا اختبارًا معلنًا، أُعلنت فيه الشروط باكرًا إلا أن النتائج النهائية لا تزال رهينة الزمن وقرينة المستقبل.. فالحصيف من ذاكر الدرس، وتذكر النفس، واستذكر الحدث.. والجاهل من جهل الموقف، وتجاهل الوقت، وتغافل القدر؛ ليتشكل اتجاهان من النجاح والفشل في مستوى الاعتبار من الواقع والاقتدار على التكيُّف.
تتجول ذاكرتنا يوميًّا بين أعوام عدة، ومواقف ممتدة.. يأسرنا «الحنين» إلى طفولة بيضاء، ويرمينا «الأنين» في صولة أخطاء، تعلمنا بعدها المسار «القويم»، والفعل «المستديم»، الذي ينقلنا من «منعطفات» الانتظار إلى مسارات الانتصار.. فتبقى الذاكرة في مد وجزر بين نكوص إجباري إلى أحداث «مؤلمة»، وشخوص اختياري إلى محطات «ملهمة»؛ فنظل في ذهاب وإياب شعوري بين عنابر «الخذلان» ومعابر «السلوان» وصولاً إلى منابر «الأمان»..
عام 2020 عام اختصر الكثير من الأمنيات التي كانت على قيد «الانتظار»، وانتصر للعديد من التحديات التي بقيت أمام أسوار «الاجتياز» تاركًا أشهره وأيامه في خزانة «تذكر» مستديمة، لن تغيب، مخلفًا وراءه العديد من التساؤلات.. التي تتمحور في: هل استفادت البشرية من الدرس بشكل طويل المدى؟ أم إن العبرة مؤقتة، ولا تلبث أن تعود فوضى الغفلة لمسارح الهزل من جديد؟ وهل كان فيروس كورونا عنوانًا مبدئيًّا، حمله العام لتأتي تفاصيل أخرى في عام 2021؟ وهل اعتبر البشر من حتمية الأوبئة؟ وهل وعى الآدميون ضرورة العيش بوسطية مثالية بعيدًا عن العزة بالنفس والقدرات، أو التهاون بالذات والمهارات؟ وهل سنرى نتائج الاختبار الذي خضع له العالم أجمع أم أن هناك اختبارات أخرى في ظل احتماليات نجاح يشترط الإجادة، أو رسوب لا يقبل الإعادة؟
أسئلة متعددة تعتمر الأذهان بين السر والعلن على يقين أننا سنرى إجاباتها بين ثنايا «الدهر»، ووسط خفايا «القدر».