رجاء العتيبي
في مرحلة مضت، أيام البرامج الثقافية لمهرجانات الجنادرية، وتحديدًا الدورات العشر الأولى، كنا نرى المثقفين العرب الذين قرأنا لهم أدبًا وشعرًا ونقدًا.. كنا نجالس مثقفين على قدر عالٍ من الثقافة والفكر، وكانت أسماء كبيرة، لها موقعها في الوسط العربي. كان يأخذنا الانبهار بهم أي مأخذ، ونحن نجالس مثقفًا بقامة: الطيب صالح، حسن ظاظا، محمد الفيتوري، نجيب محفوظ، جابر عصفور، علي حرب.. وغيرهم الكثير.
في تلك الملتقيات كان للتثاقف معنى وقيمة وأهمية. أما بعد تلك المرحلة فكانت لقاءات علاقات عامة، أكثر من كونها تلاقحًا ثقافيًّا. ليس على إطلاقه طبعًا، ولكن خفَّ وهج اللقاءات الثقافية العربية التي تنظمها المؤسسات الثقافية داخليًّا.
أتوقع أن «الإنترنت» في بداية ظهورها عام 2000م كانت أحد الأسباب التي خففت من وهج اللقاءات الثقافية، وقللت من التثاقف، والتلاقح الثقافي على مستوى شخصي، وصار على مستوى إلكتروني، سواء بقراءة المنتج الثقافي إلكترونيًّا، أو اللقاءات عن بُعد كما حدث مؤخرًا.
أمر آخر، مع الجيل الجديد، جيل الألفية: انحسرت النخبة في إطار ضيق، وبات المجال مفتوحًا للشعبي. وهذه أشار لها د. عبد الله الغذامي في أحد كتبه بالعنوان نفسه، وأظنه استطاع أن يصف الحالة بدقة؛ فطالما الملتقيات الثقافية باتت في نطاق ضيق فإنها تتم كيفما اتُّفق؛ لا تتعرض لا لجدل، ولا نقاش، ولا اهتمام، لا رسمي ولا شعبي؛ فهي تبدأ وتنتهي دون أن يعلم بها أحد سوى المنظمين والمدعوين.
نتطلع إلى أن يعي المسؤولون عن الثقافة هذا الأمر، ويعيدوا للملتقيات الثقافية وهجها، بصناعة حدث كبير، يحفز الإعلام والمهتمين والناس على متابعته، وبشكل مستمر، وليس لمرة واحدة؛ لأن الأمر إذا ظل على المنوال نفسه دخله من لا يحسنه؛ وفسد. فالمناطق الخاملة، غير الحيوية، لا يهتم بها أحد؛ وتصبح خاوية على عروشها.
وبعد كل هذا الخمول الذي ران على الحراك الثقافي (في الميدان) على مدار سنوات لا أظن أن إنعاشه بالأمر بالسهل، ولكنه ليس صعبًا؛ لأن الأرضية موجودة، والتراكم الثقافي موجود، والمثقفين بتنوعهم موجودون؛ وهذا يسهل من أي مهمة بهذا الشأن.
السؤال: كم نسبة المثقفين الذين لهم أنشطة ثقافية خلال العام 2019م؟ وكم النسبة المتوقعة خلال 2021م؟ وهناك أسئلة حول نسبة أخرى، مثل: المنتجات الثقافية، الأثر الداخلي والخارجي، المطابع، المنتجات الإلكترونية، الترجمة، التعريب... إلخ.
سؤال أخير: من يصنع الثقافة؟ المؤسسات الثقافية؟ أم جيل المثقفين أنفسهم؟ ومَن يبدأ أولاً؟