الهادي التليلي
لا يحتاج الواقع الذي يعيشه العالم المتطور إلى التدليل بأن المكانة العليا في سلمه ترجع إلى المواطن فالكل في خدمة هذا المدلل الاجتماعي الذي يعلو ولا يعلى عليه مراتبيا فعلا المواطن والمعبر عنه بالإنجليزية CITIZEN وبالفرنسية CITOYEN هو رهان الأنظمة الديمقراطية التي خرجت من ربقة الأنظمة الإقطاعية بشعارات كلها تصب في خانة الانتصار للمواطن، وهنا نجد أطروحات الثورة الفرنسية التي نادت أساسا بالمواطن الإنسان وهو ما تجلى خاصة في أطروحات مونتسكيو وروسو، وكذلك الأدباء الذين رسخوا إبداعهم على المواطن، وهنا تتجلى إبداعات بول فاليري ولافنتان وخاصة القصيدة الخالدة للويس أراغون «إلزا أمام المرآة» والتي اعتبر فيها الإنسان المواطن هو الوطن.. هذا المواطن الذي لأجله سخرت أقلام وترسخت أنظمة وقامت ثورات ليس فقط كتلة من الحقوق والمطالب هو كذلك محكوم بواجبات نحو نفسه وأسرته ووطنه.
لهذا وغيره وفي سياق قطاعية حصر الاهتمام درج الحديث في الزمن المعاصر عن الأدوار المناطة بعهدة الأفراد والكيانات فصرنا نتحدث عن الدبلوماسية الاقتصادية والتي أصبحت كل من كوريا والصين وغيرها من روادها والدبلوماسية الثقافية التي تتصدرها أمريكا والاتحاد السوفياتي ورومانيا وفرنسا وغيرها والدبلوماسية الاجتماعية وتعد المملكة العربية السعودية وأمريكا والاتحاد السوفياتي أبرز علاماتها وطبعا الدبلوماسية السياسية التي تمثل رسميا بوزارات الخارجية وفي الحقيقة تشظي المفهوم الدبلوماسي حتى صرنا نتحدث عن دبلوماسية رياضية وتجارية وصناعية وغيرها يرجع لضيق المجال السياسي الرسمي على ما يتقد به المعنى من حرارة فعل يفرض الاختصاص ويؤثر على سياسات وخيارات الدول.
ولعل الأعمق من هذه الدبلوماسيات كلها مجتمعة هي دبلوماسية المواطن التي من خلالها يصنع الفرد الفارق ويسوق لوطنه خارج أطر ونواميس رسمية ضيقة محكومة بالأعراف والقوانين الدولية التي أغلبها مسطر على مقاسات الدول النافذة.
إنها دبلوماسية سلاحها حب الوطن والإيمان به والفخر بالإنتماء له هي دبلوماسية ليست جديدة في الحقيقة فلو نظرنا إلى تاريخ إنتشار الدعوة الإسلامية في العالم فزيادة على الغزوات والدبلوماسية التجارية كانت دبلوماسية الأفراد والتي تحركت الدعوة الإسلامية بتحركهم في كل أصقاع العالم إنها لا تحتاج إلى أذون وتكاليف ومخاطبات إنها تحتاج إلى نبض الوطن في العروق.
لذلك يحتاج كل وطن إلى أبنائه التاجر والسائح والمثقف والإعلامي كل مواطن ينتمي فعلا لوطنه فكم من أفراد عاديين لا يعتبر اسمهم في المشهد العام معروفًا جلبوا استثمارات عملاقة بالتسويق لأوطانهم وإقناع الآخر بأن وطنهم البيئة الأمثل للاستثمار وكم من فرد جلب محبة العالم لوطنه دون تكليف أو مهام يحاسب على تنفيذها لذلك ولغيره نرى أنه حان الوقت لاعتبار دبلوماسية المواطن مادة تدرس في المدارس والجامعات فغرس روح الانتماء تجعل كل مواطن سفير فوق الرتبة لوطنه ولا يخترقه حاسد على نعمته ولا عدو لدود.