عبد الاله بن سعود السعدون
وزارة الكاظمي أمام ضغوط شعبية خانقة بعد تسريب بنود وإجراءات معالجة العجز المتوقع فيها والمقدر بمائة تريليون دينار أي ما يقارب ثمانين مليار دولار والذي سيؤثر على جفاف السيولة النقدية للحكومة بعد ستة أشهر من بدايتها، وسيتم تحريك سعر صرف الدولار إلى 1450 ديناراً لكل مائة دولار بدلاً من سعره الحالي 1150ديناراً، ومع تسريب هذا الاجراء المالي المعروض كحل لجذب العملة الصعبة للخزينة العراقية قد أحدث خللاً في السوق المالية وتحول إلى مضاربات لتغير العملة لدى المصارف ومراكز تحويل العملة ولدى ابناء الشعب مما أثر ذلك بارتفاع سريع للأسعار العامة داخل الأسواق العراقية والمتضرر بصورة مباشرة ذوو الدخل المحدود والفقراء بصورة عامة، وقرار تعويم الدينار العراقي أمام العملات الصعبة لابد أن يتخذ بسرية كاملة لتلافي المضاربات بين السعرين. وكان الأنسب اتخاذ إجراءات مالية أخرى لاسيما أن البنك المركزي العراقي بما يملكه من احتياطي نقدي وذهب بما يعادل الخمسين مليار دولار وأيضاً العمل على زيادة صادرات البترول وكذلك الاتجاه نحو تخفيض رواتب موظفي الدولة بنسبة معقولة ومدروسة جيدا، وأخيراً رفع نسب الرسوم والضرائب بشكل مقبول، كل تلك الاجراءات المالية والنقدية تحمي السوق الاستهلاكية من انفجار الأسعار دون أن تسحق دخل الموظف وتزيد من نسبة الفقر والتضخم في اقتصاد البلاد وتعويم سعر العملة يأتي كإجراء أخير.
فالتغيير المالي الذي حصل قبل إقرار الموازنة لعام 2021م حفز الشارع للتظاهر والمطالبة بتغيير وزير المالية ورئيس البنك المركزي، وهذه شكلت مرتكز الأهداف والمطالب الشعبية التي نادى بها المتظاهرون من أبناء الشعب العراقي الثائر ضد الفساد والظلم وتسلط الأحزاب المذهبية على السلطة والتركيز نحو زيادة نسبة الفقر والبطالة داخل المجتمع العراقي.
يسعى نظام الملالي في إيران لتفكيك الدولة العراقية بكل مؤسساتها الدستورية والقضاء على وحدة الشعب بنصوص دستور بريمر الطائفي المعتمد على تصنيف الشعب العراقي الموحد إلى مكونات مذهبية عرقية دون وضع خطط اقتصادية وانعدام وجود سياسة خارجية واضحة أدى كل ذلك إلى تحول العراق إلى دولة فاشلة تتسلط على مقدراته مجموعة من السياسيين الفاسدين رفضهم الشعب الغاضب بالتظاهر على وجودهم ضمن ما يسمى بالعملية السياسية العرجاء، والتي أوصلت العراق إلى الافلاس السياسي والمالي بسرقات المال العام دون رقيب أو حسيب أو ضمير حي يحاسبهم من داخلهم!.
ومن أجل التغيير الشامل لهذا التكوين السياسي الفاشل سلك المتظاهرون السبيل السلمي مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة بأمل أن تأتي ببرلمان متجدد بأغلبية شبابية وطنية جديدة تعي مكامن الفساد وترمم ما خربته الأحزاب المذهبية وفسادهم المستأصل بكل مؤسسات الدولة.
وجاءت وزارة الكاظمي وليدة هذا الضغط الشعبي على المشهد السياسي وبكل سلطاته القضائية والتشريعية والتنفيذية تلبيةً لهذه الإرادة الثائرة، والتي قدمت ألف شهيد عربوناً لحرية القرار الوطني لشعبنا العراقي الصابر والتخلص من قيود وذل التسلط الإيراني (وأصدقائه المخلصين) على المؤسسات السياسية والاقتصادية العراقية!!
الانتخابات القادمة المؤمل إجراؤها في السادس من يونيو حزيران في العام القادم ستعطي أبناء الشعب العراقي الفرصة لتوجيه أصواتهم الانتخابية نحو الكتل الوطنية العابرة للطائفية والحزبية الضيقة وفرز شخصيات وطنية هدفها من العمل السياسي خدمة الوطن والمواطن وتأسيس دولة مؤسسات تعتمد المواطنة المظلة الفعلية ولوحدها مصدراً لكل مؤسساتها والعمل بجد وإخلاص من أجل وضع خطط الاعمار والتشغيل وتهيئة فرص العمل للعديد من الشباب العاطلين عن العمل من أبناء الوطن والاهتمام بالزراعة والصناعة وتنشيط وتنويع الاقتصاد الوطني.
والعمل بأمل من أجل المحافظة على وحدة التراب والوطن الواحد بعد أن عصفت به ويلات الطائفية والاغتيالات المستهدفة لكل من يعارض التدخل الايراني بالشأن الداخلي العراقي وتعديات المليشيات المسلحة التي تدين بالولاء للخارج ممثلاً بمكتب المرشد الأعلى الخامئني في طهران، والتي تشكل حالياً العائق المخيف لكل عملية إصلاح من أجل التغيير، وأولها نزاهة الانتخابات القادمة، التي أصبحت أداة رخيصة لاغتيال كل مرشح وطني للانتخابات القادمة ومتابعة توجيه صواريخ العمالة نحو البعثات الدبلوماسية الأجنبية في المنطقة الخضراء مما سيؤثر على أمن العراق القومي لو أصابت هذه الصواريخ الطائشة أعضاء من السفارة الأمريكية أو أي دولة أجنبية مما يسبب ردوداً مخيفة لكل مؤسسات الدولة العراقية نتيجة جنون مليشيات ولائية وعميلة لملالي قم وطهران، مما يدعو الآن أن يهتم كل مواطن مخلص للعراق وعلمه الوطني بكل جد بالتغيير سلمياً عن طريق الانتخابات ويحجب صوته عن الذين تسببوا في سلبه وظلمه وهجرته وتهجيره من الفاسدين وعملاء الأجنبي أياً كانت جهته.
من المؤشرات الايجابية لتحقيق (جزء من التغيير) في الانتخابات القادمة التعديلات التي جاء بها قانون الانتخابات الجديد بتقسيم العراق لوحدات انتخابية متعددة بفوز المرشح الذي يحقق أعلى الأصوات في دائرته الانتخابية ومختلف تماماً عن النظام المعمول به سابقاً، وذلك بحصر مساحة العراق ككل بوحدة انتخابية واحدة مما يحقق توزيع الأصوات الانتخابية للقائمة الفائزة لمرشحي تلك القائمة حتى ولم يحققوا عدداً من الأصوات التي تؤهلهم للفوز بالمقعد النيابي.
كل آمال المتظاهرين الثائرين في ساحات الوطن العراقي وتضحياتهم بالدماء الزكية قد تتحول إلى سراب إذا بقيت المليشيات المسلحة المنفلتة خارج قبضة الحكومة والمتحدية لسلطة القانون هي والمال السياسي والتي يخشى من فوزها بالقوة وتوجيه أصوات الناخبين نحو القوائم المذهبية السابقة ومعها تتجمد حركة التغيير وتعود الأحزاب المذهبية إلى المسرح السياسي وبوجوه مختلفة فقط... المتظاهرون ومعهم كل القوى الوطنية و التي تؤمن بالسيادة المطلقة للشعب العراقي في تحديد قراره السياسي نحو المصالح العليا للعراق وطناً وشعباً والمستقل بقراره والعامل نحو خير وازدهار العراق الدولة وإعادة مكانتها الإقليمية والدولية إذا استطاعت كل هذه القوى المخلصة من التوحد بجبهة وطنية واحدة فلن تقف في طريق مسيرتها الوطنية أي مليشية مسلحة تخدم مصالح الأجنبي أياً كان... ولابد أن تجرى الانتخابات بإشراف عربي وإقليمي ودولي وإلا ستكون البندقية والدولار السياسي هما من يوجه الناخب مكرهاً نحو مرشح الأحزاب الطائفية ومليشياتهم المنفلتة وسيبقى المشهد السياسي بنفس الوضع مع تغيير وجوه الفاسدين.