عبدالعزيز السماري
الطبقة الوسطى هي طبقات اجتماعية اقتصادية تقع بين الطبقة العاملة والطبقة العليا، وعندما تشكل أغلبية في المجتمع يزدهر الاقتصاد، وعلي سبيل المثال تشكل الطبقة الوسطى حالياً أغلبية ضئيلة من سكان الولايات المتحدة (نحو 52 في المائة)، ولكن هذا لا يزال أقل مما كان عليه حيث انخفض على مدار نصف قرن تقريبًا، وتعمل حكوماتها المتوالية على رفع هذه النسبة حتى لا تتدنى معدلات الابتكار.
في عقود الازدهار، لم تحدث الطبقة الوسطى في أمريكا بشكل طبيعي فحسب، بل ولدت من سياسات القرن العشرين التي خلقت ازدهارًا واسع النطاق مثل قانون معايير العمل العادلة، الذي حدد الحد الأدنى للأجور، وأجور العمل الإضافي، وحظر تشغيل القصر؛ ارتفاع في النقابية؛ وإنشاء الإدارة الاتحادية للإسكان.
حولت هذه السياسات ميزان القوى إلى الطبقات العاملة، ووزعت الفرص لتكوين الثروة، وخففت من التفاوت المتزايد في الدخل، مما ساعد على بناء طبقة وسطى قوية تضم 61 في المائة من البالغين الأمريكيين بحلول نهاية الستينيات. لكن بعد ذلك تقلصت ثروة الطبقة الوسطى في أمريكا، فقد ارتفعت تكلفة المنازل والسيارات والتعليم، مما أدى إلى تدني نسبة هذه الطبقة في المجتمع، وهو ما أثر في إنتاجية الاقتصاد، وأسهم ارتفاع الضرائب في ضمور الطبقة، لكنه لم يؤثر كثيراً في الطبقات العليا، والتي ربما تكسب بتدني أجور الطبقة العاملة الدنيا نتيجة لارتفاع نسبتها في المجتمع.
الطبقة الوسطى هي القلب النابض للاقتصاد، وهي القوة العاملة التي لا غنى عنها في البلاد، فارتفاع إنتاج اقتصاد الطبقى الوسطى يؤدي إلى تحسن الاقتصاد وتحوله إلى اقتصاد الابتكار، لأن ريادة الأعمال والاختراع متجذران أيضًا في الطبقة الوسطى، فالحياة الخالية من الحرمان للطبقة الوسطى تسهم في منح الوقت والمرونة للتفكير والتفكير والاستكشاف، وللاختراع والابتكار.
يمكن لأولئك الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى تحمل قدر ضئيل من المخاطرة: مثل ترك الوظيفة الآمنة لبدء عمل تجاري جديد بعد تجميع أصول بدء التشغيل، وغالباً ما يخرج أصحاب الثروات الكبرى في الدول الصناعية من هذه الطبقة، ولذلك يؤدي تدميرها إلى ضعف الاقتصاد وتدني الإنتاجية في المجتمع.
تمت الإشارة إلى هذا الدور لأول مرة من قبل توماس مالتوس، الذي اقترح أن التحسين الابتكاري يحدث على الأرجح في «المناطق الوسطى من المجتمع»، وجادل ديردري مكلوسكي بشكل مقنع كيف أن صعود الطبقة الوسطى منذ عام 1600 (أولاً في هولندا، ثم في بريطانيا) أعطى سببًا للناس العاديين للابتكار والتطور، وبالتالي ازدهار الاقتصاد.
تتكون الطبقة العليا من أولئك الذين يستفيدون حاليًا من وأرباح النموذج التقليدي للاقتصاد القديم، لديهم حافز ضئيل أو معدوم للابتكار لأنه سيؤدي إلى تعطيل الموارد التقليدية و الخاصة بهم، أما بالنسبة للطبقة الدنيا، في حين أنهم قد يرغبون في الابتكار، فإن فرصة القيام بذلك محدودة، لانعدام حالة الأمن الاقتصادي وانشغالهم في تأمين لقمة العيش اليومية.
لذلك من تحديات استراتيجيات الاقتصاد في دول العالم الثالث العمل على رفع نسب الطبقات الوسطى، وزيادة إنتاجها، ويحدث ذلك بتخفيف العبء المالي على ضروريات حياتها، وبالتالي تتحول إلى طبقة منتجة، وقادرة على تكوين الثروات، لأن الثروة الحقيقة النافعة للاقتصاد هي التي تخرج من الابتكار وصناعة المنتجات الحديثة، بينما تحافظ الطبقات العليا على مواردها التقليدية الناتجة على امتلاك العقارات والاستثمارات في البنوك والمزارع والمصانع التقليدية، ولا تعمل على إيجاد فرص خلاقة ومؤثرة في الاقتصاد.