سلطان بن محمد المالك
قرأت كثيراً من المقالات عن النجاحات التي حققتها جمهورية كوريا الجنوبية وتجربتها في التغلّب على العديد من المصاعب التي واجهتها الحكومات الكورية خلال الفترات الماضية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية، وكيف تمكَّنت كوريا الجنوبية بالاعتماد على رأسمالها البشري من بناء اقتصادها وتحقيق التنمية التي تبقى مرتبطة بالاستثمارات الخارجية. وعلى الرغم من افتقارها للموارد الأولية فإنها استغلت العديد من المقومات التاريخية, البشرية والاقتصادية لتحقيق التنمية ببعديها الاقتصادي والاجتماعي ونجحت تماماً في حجز مقعد لها في مكان متقدِّم تضاهي فيه الدول المتقدِّمة صناعياً واقتصادياً، بل حتى إنها تفوَّقت عليهم في العديد من المجالات.
استفادت كوريا الجنوبية من مستعمريها لاسيما من اليابان (1910-1945) التي ركَّزت بها نواة صناعية وطوَّرت زراعة الأرز, كذلك استفادت من الاستعمار الأمريكي (1945-1949) الذي دعّمها عسكرياً وزراعياً وتواصل دعمها أثناء الحرب الباردة، أما المرحلة خلال (1950-1961) فقد توّجت باستقرار سياسي داخلي تفرَّغت فيه كوريا لبناء اقتصادها ونجحت فيه نجاحاً باهراً وابتعدت عن أمور السياسة الخارجية.
يوفر الحجم التعداد السكاني في كوريا 21 مليون يد عاملة تتميز بالإقبال على العمل بأجور زهيدة ولساعات طويلة تصل في أحيان كثيرة إلى 54 ساعة في الأسبوع، بالإضافة إلى كونها يد عاملة مطيعة فهي مختصة ومنضبطة تماماً في العمل وما يتطلبه ذلك، وحسب ما قرأته فإن الإجازة السنوية للكوريين لا تتجاوز أسبوعين فقط ولا تؤخذ دفعة واحدة.
وإدراكاً من الحكومة الكورية لأنها لا تملك ثروات منجمية طبيعية، حيث إن 9/10 الثروة الكورية متركزة بكوريا الشمالية، فقد عوَّلت على الصناعات الإلكترونية والصناعات المتطورة التي تورد موادها الأولية وتصنعها بمراكزها الصناعية الساحلية لتعيد تصدير منتوجاتها للسوق العالمية, ولتجاوز نقصها لموارد الطاقة اعتمدت على الموارد الطاقية المتجدّدة. كما استفادت كوريا من الاستثمارات اليابانية والأمريكية في الصناعة مما دعم وزن شركاتها في العالم والتي حققت نجاحات كبيرة ونافست بقوة في قطاع المنتجات الإلكترونية والسيارات.
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو ما شاهدته بنفسي وعن قرب أثناء زيارات سابقة لكوريا من حقائق لكل ما كتب عنها، وأعجبت كثيراً بأدب واحترام الشعب الكوري لضيوف دولتهم وزوارها، وكذلك دقتهم وانضباطيتهم في العمل والمواعيد والاهتمام بأدق التفاصيل التي يتم من خلالها إنجاز الأعمال والذي أعتقد أنه أحد أهم العوامل التي ساعدتهم على النجاح.