د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
خلال أربعة عقود سجلت الميزانية عجزاً في 26 عاماً أي أن هناك فائضاً في 14 عاماً، ومنذ 2010 و2020 لم تحقق الميزانية فائضاً فقط في عامين في 2012 بفائض ضئيل بنحو 12 مليار ريال وفي 2013 بنحو 9 مليارات ريال، وكانت تتجه السعودية في تغطية هذه العجوزات من الدخل الأساسي لها وهو النفط، لكن هذه الاستراتيجية لن تستمر بسبب أن النفط يتأثر بمتغيرات دولية لذلك ليس من المنطقي أن يستمر كدخل آحادي ولا يمكن لأي اقتصاد أن يعتمد على دخل آحادي خصوصاً إذا كان مثل السعودية كدولة ذات ثقل عربياً وإسلامياً ودولياً.
حيث تمتلك السعودية مقومات اقتصادية واسعة كانت معطلة، انعكس على الهيكل الاقتصادي الذي نتج عنه خلل هيكلي، وسيدخل الدولة في أزمات بسبب اعتماد الاقتصاد الوطني الكلي على إيرادات النفط، ولم يعد القطاع الحكومي قادراً على استيعاب اليد العاملة السعودية التي تتخرج بأعداد تفوق قدرة القطاع الحكومي، خصوصاً وأن القطاع الحكومي يتجه نحو التخصيص لصالح تقوية القطاع الخاص لتقليص النفقات الكلية للدولة، والتركيز في الإنفاق الحكومي على القطاعات الحيوية والأمنية، خصوصاً وأن السعودية قارة تكاليف حمايتها مرتفع وحماية الأمن الخليجي والعربي، لذلك اتجهت الدولة نحو صياغة رؤية المملكة 2030 من أجل تنويع وتنمية الإيرادات غير النفطية لضمان استدامة واستقرار الإيرادات.
عزم الدولة على تقليص العجز في 2023 إلى 13 مليار ريال راجع إلى تحقيق رؤية المملكة 2030 كهدف محوري، وأيضاً نتيجة الجهود الحكومية لتعزيز كفاءة الإنفاق، وتحقيق مستهدفات الاستدامة والاستقرار المالي.
لن استطيع استيفاء المنجزات التي تحققت في هذا المقال، لكن سأتطرق لبعضها، فالسعودية ركزت على التنمية الريفية، بعد تحديد الميزة النسبية لكل منطقة، وتلبية طلب السوق المحلية، فمثلاً في استراتيجية الأمن الغذائي حددت ثماني سلع أساسية للأمن الغذائي إضافة إلى 11 سلعة مكملة لها، فجاء ترتيب السعودية الثالث في الإنتاج الغذائي في المنطقة العربية بعد مصر والجزائر بقيمة 15.7 مليار دولار في الربع الأول من 2020، وأتت السعودية في المركز الثاني بعد مصر في إنتاج التمور، وقد تصبح في المركز الأول وتتعد مصر التي هي في المركز الأول ونسبة الإنتاج نحو 18 في المائة من إنتاج العالم ثم السعودية بنحو 17 في المائة الذي ارتفع من نحو 14 في المائة، حيث ينتج العالم العربية بنحو 75 في المائة من الإنتاج العالمي للتمور.
وما تم تنفيذه من محطات تحلية المياه يفوق ما أنجز خلال الـ40 عاماً الماضية في جميع مناطق السعودية (حسب تصريح وزير الزراعة والمياه) بسبب امتلاك الدولة استراتيجية واضحة للأمنين الغذائي والمائي بسبب ظروف المملكة الصحراوية، حتى أن منظمة الفاو صنفت البرنامج الريفي السعودي ضمن الأكبر عالمياً من حيث المدة الزمنية والمبالغ المستثمرة فيه.
إطلاق أكبر استراتيجية لتنمية رأس المال البشري في قطاع السياحة الذي سيوفر مليون وظيفة، خصوصاً وأن السعودية تمتلك تراثاً سياحياً واسعاً، بل تميز العمل الحكومي خلال الجائحة بالمهنية العالية والتكامل وجرأة اتخاذ القرارات، وتصدرت الصحة الأولويات واجهتها بـ149 مبادرة تحفيزية، كما تصدرت تلك الأولوية في قيادة الدولة لقمة العشرين، وبفضل الرؤية نجحت السعودية في مواجهة آثار الجائحة بمركز مالي قوي، وفي نفس الوقت ولدت الجائحة فرصاً كثيرة لرواد الأعمال.
** **
- أستاذ بجامعة أم القرى بمكة