سلمان بن محمد العُمري
أصبحت العمالة المنزلية تشكل هماً وهاجساً على كافة المستويات، وفي إحصائية جديدة للهيئة العامة للإحصاء قفز عدد العمالة المنزلية في المملكة خلال عامين بنحو 1.21مليون عامل، حيث بلغ العدد بنهاية الربع الأول من العام الجاري 2020 نحو 3.60 ملايين عامل، مقابل 2.39 مليون بنهاية الربع الأول من 2018 بارتفاع نسبته 50.62 في المائة.
والعمالة المنزلية تتوزع بين الخدم وعمال التنظيف وحراس المنازل والاستراحات والطباخين، والمدرسين الخصوصيين والمربيات في المنازل والممرضين الصحيين، والسائقين والسائقات. وتمثل النسبة العظمى من تلك العمالة المنزلية "الخادمات والسائقين "، ومع تزايد أعداد هذه العمالة تتفاقم المشكلات المتعلقة بهم كماً وكيفاً وفي النهاية المتضرر صاحب العمل، ولم تجد مشكلات العمالة من يغلق الملف بمعالجته على الوجه الأكمل، ومنها: ارتفاع تكلفة الاستقدام قياساً بالدول المجاورة، وهروب العمالة، دون تعويض المواطن المتضرر، بل الأدهى والأمر تحميله تذكرة سفرها بعد عملها بطريقة مخالفة لأنظمة البلاد، ناهيك عن الأمراض النفسية والعقدية والأخلاقية والصحية التي يحملها بعضهم. قبل أكثر من ثمانية عشر عاماً قمت بدراسة علمية ميدانية، كانت بعنوان: "المرأة السعودية والخادمة.. دراسة استطلاعية لاتجاهات المرأة السعودية المتغيرة حول ظاهرة الخادمة الأجنبية في المجتمع السعودي"، وظهرت في كتاب قدم له آنذاك معالي الدكتور علي النملة وزير العمل والشؤون الإجتماعية الأسبق الذي أكد "أن موضوع العمال الوافدين بعامة، وخدم المنازل والسائقين بخاصة موضوع شائك، يحتاج إلى دراسة متأنية ولا يعالج بالتنظير أو بالطروحات الارتجالية، وهذا الموضوع يبدأ علاجه بخطوة أولى وهي إدراك أن هناك مشكلة، وأن هذه المشكلة وصلت إلى حد الأزمة".
ولا يختلف اثنان على هذا الكلام الجميل العقلاني، لكن يبقى السؤال حائراً بأنه على الرغم من تعاقب سبعة وزراء أو أكثر على هذه الوزارة من بعد الوزير النملة الذي اعترف بالمشكلة في حينها دون حل، ولا تزال المشكلات قائمة، ولم يتغير الحال في كثير من الأمور..!!
في هذه الدراسة التي خرجت بنتائج وتوصيات عديدة تم الأخذ ببعضها من بعض القطاعات، ولا تزال الحاجة قائمة للنظر في التوصيات الأخرى، ودراستها من كافة الجوانب لأهميتها، وقد كان من التوصيات التي أخذ بها التوسع في إنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال مع توفير جميع الإمكانات لها، وبخاصة المشرفات التربويات مع وجود الدعم لها من الجهات المختصة، وكذلك إنشاء مؤسسات معنية بالخادمات المتخصصات ومن المسلمات المؤهلات في المهنة، ويمكن تأجيرهن لذوي الحاجة باليوم أو الشهر مما يمكن معه الاطمئنان إلى حسن أدائهن وعدم الإخلال أو حدوث سلبيات، ولكن المؤسف حقاً أن الشركات التي قامت بهذا ركزت على الجانب المادي قبل كل شيء، وهو حق مشروع لها، ولكن ليس باستغلال الناس، والمبالغة في الأسعار من بعضهم حتى وصلت قيمة الإيجار بمكاسب تصل إلى 200 في المائة من القيمة الفعلية لأجرة الخادمة، لقد كان الجميع ينتظرون حلاً في هذه المكاتب للتغلب على جشع سماسرة الاستقدام في الداخل والخارج ولكن الشركات الجديدة انطبق عليها قول الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
وهنا أؤكد وفق ما ذكرته في الدراسة من أن استخدام الخادمة لم يعد من الكماليات والترفيه بل أصبح من اللوازم التي تمليها الضرورة ونمط الحياة، وليست مشكلة آنية ومن أجل التخلص مما يحيط بها من مشكلات وتعقيدات لا بد من العمل وبشكل مدروس ومنظم وتضافر الجهود على المستوى الرسمي والشعبي للقضاء على هذه الظواهر السلبية المتعلقة بها أو الحد منها ومن تفاقم آثارها.
وتبقى ملفات العمالة المنزلية مفتوحة حتى الآن، حتى تفرج من رب العباد.