خالد بن حمد المالك
منذ ولادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى مدى العقود الأربعة التي مضت وانقضت من عمر إنشائه، واجه المجلس الكثير من التحديات، ولكنه تمكّن بقيادة المملكة، وتعاون الدول الخليجية الشقيقة، من التغلب عليها، متجاوزاً كل الأزمات، والخروج منها بأقل الأضرار، إن لم تكن بدون أضرار. وكانت الأزمة القطرية الطارئة هي الأقل في تبعاتها، وكان رأي المملكة وموقفها، سواء في الأزمة القطرية عام 2013م، أو أزمة 2017م، الإيمان بأهمية الحل السياسي، باعتباره السبيل الوحيد لتجاوز المشكلات، وتلافي التحديات، والتغلب عليها، والعبور بالمجلس بقيادة المملكة وتعاون شقيقاتها إلى بر الأمان.
* *
وقد أدركت المملكة مبكرًا أن هذه الأزمة الطارئة التي مرت بها دول مجلس التعاون ستكون فرصة لبعض الدول الإقليمية، بأن تحاول من خلالها استثمار هذه الأزمة الطارئة لصالحها. كما أدركت المملكة أيضًا أن المستفيد الأول والأكبر من هذا الخلاف هم أعداء دول الخليج والعرب والمنطقة، لتنفيذ مخططاتهم التوسعية، إلا أن جهود الوساطة الكويتية، ودعم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جهة، وعلاقة مجلس التعاون بجمهورية مصر العربية من جهة أخرى، شكلت حجر الزاوية في أمن واستقرار المنطقة؛ ما يجعلنا ننادي إلى تمتين العلاقة مع مصر لحماية الأمن القومي العربي، وتحقيق المصالح العليا المشتركة. وهذا هو التوجه الذي تقوده المملكة، وترى فيه بالغ الأهمية للمحافظة على أمن دولنا وشعوبنا.
* *
ولا بد أن أشير إلى أن ما مَرّ به مجلس التعاون لدول الخليج العربية من تباين في وجهات النظر، ونشوء بعض الخلافات من حين لآخر، فهذا شأنه شأن أي منظمة متعددة الأطراف. وهو أمر طبيعي، لا يقلل من شأن المجلس؛ كونه يمثل وحدة متفردة، قد لا يكون لها مثيل عبر تاريخ المنطقة، حيث تشابه النسيج الشعبي، ووحدة الدين واللغة، وحيث يعد المجلس الخيار الاستراتيجي ليس للمملكة فقط، وإنما لجميع دول المجلس. وحتى إذا ما بلغت الخلافات حدتها بين الأشقاء في المجلس، فإن أواصر الوحدة، والمصير المشترك، تجعل منه مظلة جامعة لتحقيق أمن دوله، بل والمنطقة، ومجابهة ومواجهة التحديات الإقليمية التي تحلم بتفكيكه وانهياره.
* *
لهذا أرى أن فرصة التلاقي بين الأشقاء تسندها القواسم المشتركة التي تجمع ولا تفرّق، ويعضدها الدين واللغة والقربى والنسيج الشعبي والجوار والمصالح المشتركة.. وما من عاقل يرضى بأن يُفرّط بهذا الصرح الذي أرسى دعائمه الآباء المؤسسون، وسارت عليه القيادات المتعاقبة من بعدهم. فمجلس التعاون لدول الخليج وُجِدَ ليبقى موحِّدًا للصف الخليجي ضد أي اختراقات لدولنا، أو مساس بمصالح شعوبنا، وهذا ما نتطلع إليه في القمة الخليجية المقرر أن تُعقد في الرياض.