د. شاهر النهاري
قصير ذلك التاريخ، الذي عرفته الفنون التشكيلية السعودية، التي لم يبلغ عمرها أكثر من سبعة عقود، ابتدأت بدخول فنون الرسم للدراسة الابتدائية، ونهاية بحالتها اليوم.
وحالة الفن التشكيلي السعودي اليوم، وخصوصاً بعد عصر الرؤية مختلف بشكل كبير عما كانت عليه في سابق عهدها، خصوصاً في فترة الصحوة، التي قلصت قيمة الفن ومكانته وأهميته، إن استثنينا من ذلك بعض المعارض الشكلية، التي كانت تقوم بها بعض الجهات المهتمة بالفنون التشكيلية، والتي يرعاها بعض المسؤولين، ويحضرون افتتاح معارضها البسيطة، والمحتوية على رسومات ونحوت والتشكيلات تظل محبوسة في الأيدلوجيا، بلا ملامح ووجوه، ولا انطلاق حر يحاول التعبير عن النفس البشرية وتعرجاتها، كونها تجد الكثير من المنع، والتحجيم والتحريم.
كل ذلك لم يتمكن من منع بعض قدامى ورموز الفن التشكيلي من خلق البدايات الخاصة بهم، ولو أنها بدايات صعبة، ومحرجة اجتماعياً، فرأينا لوحات تحتوي على إشارات تحاول رسم الزمن، والفكر، والثقافة، وبشكل رمزي، لا يبلغ عادة مناطق الإبداع، وفك القيود، والنشوة.
كثير من الفنانين والفنانات السعوديين كانوا منجذبين للفن التشكيلي بأنواعه، وكانوا في الغالب يعتمدون على مواهبهم الخاصة، ومحاولاتهم التعبيرية لمحاكاة مدارس الفن التشكيلي العالمي، بالبحث والقراءة عن أصوله ومدارسه، لبلوغ الرضى عن النفس بسرعة، عند تحقق تجسيم الصورة، ودون أي وعي مدرك للأبعاد، أو مدارس نقد راسخة، إلا في بعض الرحلات، التي يقوم بها الفنان للخارج، مع أن معظم ما كان يسمعه لا يبلغ النقد الفني الحقيقي، لأن الفنان السعودي يظل في خانة الإعجاب من الآخرين بمقدرته، رغم ظروفه الصعبة، في التعلم، ومشاركة الكبار والمحترفين فيما يفعلون.
هل كان للفن التشكيلي السعودي رموز؟ والجواب على ذلك بنعم، وإن أتى ذلك تبعاً للأقدمية، والإصرار، ومنهم سعد العبيد، وابتسام باجبير، وعبدالله الشلتي، ومحمد الرصيص، وأحمد المغلوث، وإبراهيم البواردي، وعبدالرحمن رضوي، وفاطمة أبو قحاص مبدعة القط، وعبدالله الشيخ، ومحمد السليم، صفية بن زقر، وغيرهم الكثير ممن حاولوا صنع مدارس سعودية، ونجح بعضهم، وتعثر البعض.
في جميع مدن وقرى وأطراف المملكة المتسعة، تجد الآن الفنانين والفنانات الشباب، وتجد لهفتهم وتشوقهم، وتجد أعمالهم تتسابق على استخدام طرق الرسم والتشكيل الحديثة، باستخدام التقنية من أجهزة وإسقاطات للضوء ونقل للوجوه من الصور الفوتوغرافية إلى اللوحات اللونية، بطرق تقفز بعضها على المحاذير، وتكتب اهتزاز الواقع بألوان مبرمجة، لا تعطي للأنامل كينونة إظهار حقيقة ما في جوف الفنان.
تساهل عظيم يحدث، لعدم وجود الأسس الفنية، ومحاولات لتقليد أو تزوير الأعمال العالمية، ويندر أن تجد الفنان الذي يمتلك المعرفة، والعلم، ويدرك ما الذي يفعله، حتى أن البعض يكتفي بمشاركة معرض أو عدة معارض، ليصاب بغرور العروض المتكررة، والتي لا تفرق كثيراً عن تصفح صفحات الحاسب الآلي للبحث عن صور شبيهة.
الأصالة، قد تكون موجودة في بدايات وعي الفنان بذاته، ولكنها سرعان ما تشذ عن الطريق، وتتمادى في التقليد، والتزوير، وهذا نابع عن الرغبة في الوصول إلى مصاف الفنانين الكبار، أو تولي مهمة رسمية، تجعل الفنان مديراً لشيء ما، ويظل بين الحين والحين يخرج بعض لوحاته، التي يغلب عليها التزيين، وتعليقها بقدرة علاقاته في أمكنة، لا تستحقها، فيكبر الفنان، وتصغر أعماله، وتنقص في نظر النقد الحقيقي، بمعايير عادلة، لا مجاملة فيها، حسب جنس وعمر أو شكل أو منطقة قدوم الفنان، وجماليات إطلالته، وعدد متابعيه على مواقع التواصل، وحضوره المدعوم.
كثير من الفنانين الصغار، لا يجدون المثل الأعلى، ولا المثل الأصيل، والكل ينسخ ويطبع، ويغير تداخل الألوان، حتى يخفي النقل، وينقل الخفاء.
أغلب الفنانين السعوديين مستعجلون للوصول، والكل منهم يبحث عما حصل عليه غيره من دعم خاص، لا يعم بقية الفنانين، ومما يفتح أبواب البحث عن حقوق ضائعة للفنان أو لمبالغاته، وهذا لا يمكن إثباته عن طريق تسلسل واع، ولا قدرة أكاديمية وتميز، فيظل الفنان، مجرد تجمعات أفكار وتخاريف يختلف وعيها بما يدور حول الفنان، ويعجز عن بلوغه بالكامل.
عدم وجود الأكاديميات الفنية حتى الآن، واعتماد الفنان على فهلوته خلق لنا فناً تشكيلياً مبهرجاً، قليل القوائم، يفتقد الروح في الغالب، ويكاد أن يهتز ويسقط بين الحين والآخر.
هنالك محاولات بسيطة، وفعاليات هنا وهناك، ووقفات من جمعية الفنون التشكيلية السعودية، وهنالك مسؤول يحضر، وآخر يقص الشرائط، وتؤخذ الصور لمن يعطي الشهادة، والدرع لمن يظل يرتقي بعدها، ويدوس على الأسس التي تبنى عليها أصالة الفن وروحه وتاريخه، الذي نراه في عواصم فنون العالم، والتي تظهر من اللوحات والأعمال الفنية، ما يستحق أن يتوقف عنده عين القلم المتذوق، وأن يسطر الواقع، والدرجات، والسائرين عليها، بالأنا، والادعاء، أو بالحزن من عدم القدرة، وبتقطع الحبال فوق سفوح الجبال.
جمعية الفنون التشكيلية تحتاج للدعم، ليس المادي فقط، ولكن ذلك الذي يمكنها من عمل المعارض، التي تفيد الفنان وتغذي ذائقته، دون أن تتحول لخطب عصماء، وتصفيق، وصور للمحتفلين، ولكن لوضع القوائم الخاصة بأسماء الفنانين الشباب، وتحديد مدارسهم، ودفعهم إلى التعلم من الصفر، والتعلم المرحلي، وليس لكيفية التحايل لصنع لوحات لا أساس ثقافي لها ولا مدارس، ولا أصول.
الأكاديميات إن وجدت في شتى أطراف السعودية، فيجب أن تكون مخصصة للتعلم، وليس لأي أغراض أخرى، ويجب أن ينتقى فيها أفضل المتخصصين، ممن يعيشون يومهم بين الألوان، لا تكلفا ولا تزلفا، وأن يكونوا ممن يعرفون تاريخ الفن التشكيلي، ومدارسه، وتكون لديهم الموهبة المجنونة، والقدرة على تطبيق العلم على لوحات الواقع، ودون قفز على الحواجز، وتضخيم لصور قيمة الفنان الصغير، بل تدريبه على شق الطريق بين الألوان بنفسه، وليس بحيلة، أو كذبة.
الفن التشكيلي مسؤولية عظيمة، يمكن أن تخلق لنا متاحف المستقبل القادم، وربطها بتراث الماضي وأصالته، وأن تعيد ترتيب القوائم، للثبات، وليس للطيران ببسمة فنان، وهندامه، وتجمله.
نريد أن نخلق في حاضرنا حاضنة للفن، وليس التطبيل على جلود لوحات تم مط أطرافها لدرجة قرب التشقق والاهتراء.
ونريد من أكاديمية الفنون التشكيلية القادمة، أن يكون فيها مجال للنقد الفني الأصيل، يتعلم فيها عدد من نقادنا المهنة، ويعودون للأصول الفنية، للقدرة على التحكيم، والتطوير، وجعل بلدنا حاضنة لفن أصيل متنوع يليق باسمها.