تابعت المراقي النقدية عند محمد العباس منذ بدايتها فاستشعرتُ موهبته الفكرية الوثابة، واطمأننت إلى أدواته التحليلية السابرة، وإلى ثقافته الغنية المتنوعة في نظرية الأدب، ولاسيما الشعر، وراقت لي جسارته الجلية في قول ما يعتقده من مرئيات من غير مجاملة أو مصانعة؛ فهو ينطلق في معارجه الناقدة من رؤية عميقة مدروسة ومسوغة، تنتصر للجدارة الأدبية أولاً؛ لذلك تستعصي أعماله النقدية على التصنيف، سواء الأيديولوجي، أو الأكاديمي المحض؛ فهو يستخدم في بصيرته النقدية عين الصقر، وليس عين النملة. وربما تكون كتابته أقرب إلى النقد النسقي منها إلى النقد النصي؛ إنه شوّاف بصّار بمكائد الإبداع ومصائده. ولربما كان كتابه «سادنات القمر.. سرّانية النص الشعري الأنثوي» أفضل كتاب نقدي أضاء تمظهرات الشعر النسوي بنوافذ شجاعة متعالقة بمصداقية من الأحكام الجسورة؛ فقد استجلى أغلب ملامح الشعر الأنثوي باطلاع واسع على تجارب شاعرات عربيات وغير عربيات؛ فرؤاه النقدية صاعدة نحو كشوف واستبصارات تجدد دم الإبداع، ولا تربت على كتفيه.. إنه صوت نقدي مهم ومؤثر، وذو لون نهضوي مغاير لمعالم النقد الأدبي التراكمي المتكرر.
وأخيراً: أجمل التحايا للناقد محمد العباس، وأجمل الشكران للزملاء الذين يلتفتون إلى منجزه العالي.
** **
- د. راشد عيسى