من طبيعة البشر التأثُّر بغيرهم، إما سلبًا أو إيجابًا، لكن هناك مَن يريد الصعود إلى قمة الشهرة الإيجابية بسرعة البرق، دون أن يجتهد، ويتعب في بناء نفسه بنفسه، ويبني نفسه ذاتيًّا، ويشق طريقه دون الاعتماد على غيره؛ ليثبت عصاميته التي تقوده إلى المجد والسؤدد، كما قال النابغة الذبياني:
نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامَا
وَعَلَّمَتْهُ الْكَرَّ وَالإِقْدَامَا
وَصَيَّرَتْهُ مَلِكًا هُمَامَا
حَتَّى عَلاَ وَجَاوَزَ الأقواما
فإذا لم يستطع ذلك فإنه يلجأ إلى تقليد ومحاكاة مَن سبقه في المجال؛ ليتجاوزه في الخبرة والتمرس؛ ويحقق نجاحات؛ فيصبح اسمه لامعًا، وبصماته واضحة جلية، له قاعدة جماهيرية لا يستهان بها، من محبيه، والمغرمين به؛ فهو -كما يقال- عَلَم في رأسه نار؛ يعرفه الصغير والكبير، والقاصي، والداني.
وفي هذه الحالة قد يحقّق بعض ما يريده ويصبو إليه، لكن بسبب عدم وجود أشياء بارزة لديه، فيها نوع من التجديد، والإبداع، والأصالة، التي تميزه عن ذلك الشخص الأنموذج الذي ضيّع جُل وقته في محاكاته والانشغال به؛ فإنه مهما تفنن في التقليد، وأتقن اللعبة باحترافية، إلا أن صورة ذاك الأنموذج هي التي تطفو على السطح، وتستحوذ على الأضواء، بل هي الصورة الحقيقية التي تجذب الأعين، وتطرب الآذان، وتنعش الأفئدة، وتستحوذ على المشاعر؛ لتبقى أنت أيها المغرم بالتقليد والمحاكاة طوال حياتك لست إلا ظلاً باهتًا لتلك الصورة الحقيقية.