خالد بن حمد المالك
للمملكة تاريخٌ لا يُنسى، ومواقفٌ لا يمكن إغفالها، ولها سجل حافل بالسياسات الداعمة لوحدة الصف الخليجي والعربي، وهي مرجعية للدول العربية والخليجية حين نشوب أي أزمة، وحين ظهور أي خلافات، وليس هناك غير المملكة تملك التأهيل لتطويق ما يعكِّر المزاج العربي، أو يمس مصالحه، بحكمة قادتها، وخبرة مسؤوليها، واستعدادهم لمدِّ أيديهم لتعزيز ما يعمِّق التفاهم والأخوة والمصالح المشتركة.
* *
وبانتظار انعقاد قمة دول مجلس التعاون بالرياض، ورئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لأهم اجتماع خليجي في ظروف استثنائية، بعد أزمات مرَّت بها المنطقة، وأثرت على مسيرة المجلس، ومن دون هذه الأزمات، كان يمكن للمجلس أن يحقق أكثر مما حققه في سنواته الأخيرة، سواء بالنتائج، أو بمستوى التمثيل في حضور الاجتماعات، غير أن ما أعلنته دولة الكويت بتاريخ 4 ديسمبر 2020م عن الأوضاع الحالية في الخليج، ووساطتها في الأزمة الطارئة مع قطر، يضعنا أمام تفاؤل مستقبلي، وبارقة أمل، بانتظار ما نتمناه من مكتسبات للدول (الأطراف) وشعوبها والمنطقة ككل.
* *
والمصالحة خليجيًا وعربيًا، وأيًا كانت المستجدات، هي تطلعات نحو مستقبل دون توترات، وقرار حكيم ومطلوب، وتوجه يزيل كل رواسب الماضي، باتجاه بناء أوثق العلاقات التي لا يشوبها شائب بين دولنا، وسياسة المملكة التاريخية والتزاماتها تنطلق من حرصها على وحدة الصف الخليجي والعربي، ودعم دول الخليج، ودعم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وحل الخلافات من خلال المجلس، والمحافظة على التعاون العربي والإسلامي بالعزم والتصميم.
* *
كان إنشاء مجلس التعاون الخليجي خيارًا خليجيًا، اقتضت إنشاءه التحديات التي كانت تواجهها دولنا ولا زالت، وعلى مدار تاريخ المملكة، فقد لعبت دورًا قياديًا في تحصين المجلس ضد أي اختراقات، والترفع عن أي مهاترات، وتجنِيبه أعتى الأزمات، بما فيها تلك التي تربصتْ بأمنه، وهددتْ دوله، واستهدفت تماسك وحدته، باعتبار أن الأمن الخليجي هو كلٌّ لا يتجزأ من وجهة نظر المملكة، بدليل أنها حافظت -وبالشواهد التاريخية- على أمن دوله، ودافعت عن قضاياه، واصطفَّت خلف مصالحه في المحافل الإقليمية والدولية.
* *
ومثلما هي المملكة، فقد كانت بقية دول المجلس، والشقيقة الكبرى جمهورية مصر العربية، حاضرة في مواقفها التي تعبِّر عن حرصها على وحدة أمن دول الخليج العريبة، والدول العربية على امتداد الوطن العربي، غير أن التحديات التي تواجهها دولنا الآن وفي المستقبل، تقتضي من الجميع، التعامل بحكمة، والعمل برؤية صحيحة، وتجنٍّب كل ما يثير الإضرار بدولنا، وإرساء المزيد من الأسس والبناء عليها لتكون في أمن وسلام، بعيدًا عن التدخلات والاختراقات الأجنبية التي لا تخدم مصالحنا المشتركة.
* *
المملكة هي بيت شعوب دول الخليج، وإن شئنا -وهذه حقيقة- قلنا إنها بيت العرب، والاجتماع الخليجي المنتظر ينبع من حرص المملكة وبقية دول الخليج ومصر، على لَمِّ الشمل من جديد، بعد سنوات من الانتظار، فخليجنا واحد، ويجب أن يبقى واحداً، بالتعاون، والانسجام في السياسات، لأن المصلحة تقتضي من الجميع أن يكونوا هكذا.