دبي - الجزيرة:
قدَّم الإعلامي والكاتِب في صحيفة الشرق الأوسط عبد الرحمن الراشد، تقييمه للإعلام العربي خلال المرحلة السابقة ورؤيته لمستقبله، ولاسيما في ظل التداعيات عميقة التأثير التي جلبتها أزمة كوفيد - 19 العالمية.
وقال الراشد خلال جلسة حوارية ضمن المنتدى : إن العام 2020 كان عاماً مضطرباً وحافلاً بالتحديات وصعباً بصفة خاصة بالنسبة للإعلام بسبب أزمة فيروس كورونا، وقال إن الأمر الوحيد الذي ربما نتفق عليه في هذا العام هو صعوبة ما مررنا به من تحديات، موضحا أن الإعلام العربي خلال العام 2020 كان جزءًا من المشكلة وأيضاً جزءًا من الحل، فبقدر ما أسهمت المنصات الرقمية في التخفيف من وطأة أزمة التواصل المباشر بين البشر بفعل المخاوف التي انتشرت بسبب تفشي الفيروس، بقدر ما فشلت بعض وسائل الإعلام في اختبار المصداقية.
وأكد الراشد أن جمهور وسائل التواصل الاجتماعي يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية فيما يجري الحديث عنه من جوانب سلبية، سواء نشر الأخبار المفبركة أو نشر الشائعات، وصولاً للسعي بقصد أو دون قصد لبث الخوف والذعر في نفوس الناس، الذين وضعتهم الأزمة في حالة من القلق، ودفعتهم للتشبث بأية معلومة ربما تكون في أساسها غير صحيحة.
وأضاف الراشد : أن هذه السنة تُصنَّف من وجهة نظري بأنها «سنة المعلومات»، وجزء أساسي من صناعة المعلومة هو الإعلام، لافتاً إلى أن العديد من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة حققت خلال أزمة كورونا إقبالاً لم يشهد له مثيلاً خلال مسيرته الإعلامية، والسبب هو اهتمام العالم أجمع بموضوع واحد يهدد البشرية كلها، على خلاف السنوات السابقة التي كانت تجمع الناس فيها قضايا مختلفة.
وتابع الراشد : «من غير الموضوعي نسف إنجازات الإعلام التقليدي والإيمان فقط بفكرة أن فئات المجتمع تؤمن وتستخدم المنصات الرقمية، لأن الفئة التي تعمل في الإعلام التقليدي والإعلام الجديد هي نفسها»، منوهاً أن حسابات رواد التواصل الاجتماعي مهما بلغت متابعتهم فهي لا تتخطى بضعة ملايين، والمعلومات التي يقدمها أصحاب هذه الحسابات لا تتسم بالاستمرارية، بينما الإعلام التقليدي، (والذي أفضل تسميته بـ «الإعلام المتجدد» ) يتميز بخاصيتين أساسيتين أولاً لديه أعداد هائلة من المتابعين، وثانياً لديه كمية ضخمة من المعلومات التي ينشرها باستمرار ومصداقية.
وحول مدى الاهتمام المبالغ فيه من قبل الإعلام العربي بالمواضيع السياسية، قال الراشد إن الفكرة التي يروج لها البعض حول قدرة الإعلام على تغيير المشهد السياسي لا تعدو كونها (خُرافة)، فالمشهد السياسي يصنعه السياسيون، مشيراً إلى أن القضايا السياسية قفزت لمقدمة المشهد الإعلامي العربي بسبب الطفرة التي نشهدها في المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي، ودور الإعلام في هذا السياق يتوقف عند خلق الوعي الإعلامي والسياسي للجمهور، فالإعلام مجرد وسيلة وليس غاية، وهو يؤثر نسبياً في المشهد السياسي ولكن لا يصنعه.
وقال الراشد: «نشهد نظاماً إعلامياً جديداً في المنطقة قائماً على استهداف شريحة محددة تتميز بخصائص إنسانية وجغرافية معينة، على عكس النموذج السابق الذي استهدف وخاطب الجمهور بصفة عامة»، مؤكدا في نهاية الجلسة أن أزمة كورونا غيّرت المشهد الإعلامي العربي، وخلال انتشار الوباء اكتشف الإعلاميون أن العالم ليس فقط سياسة، وأن هناك قضايا أكثر أهمية للبشرية مثل الصحة والطب وغيرها من المواضيع ذات الارتباط ببقاء الإنسان وتطوره.
من جهته أكد الدكتور نايف الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن المجلس يشكل عامل استقرار وتوازن ثابت ورئيس في المنطقة، انطلاقاً من الدور الإيجابي والمهم الذي اضطلع به على مدار أربعة عقود كاملة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، جعل من خلالها إسهاماته عاملاً إيجابياً في دعم جهود المجتمع الدولي في العديد من الملفات المهمة وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، بينما كان المجلس بدعم دوله الأعضاء مصدر عون لجميع شعوب العالم وقتما وأينما احتاجت المساعدة. جاء ذلك خلال جلسة حوارية رئيسية تضمنتها أعمال المنتدى.
وقال الحجرف: إننا نعيش في وقت حافل بالمتغيرات والعديد من المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، فيما يشكل الخليج العربي أهمية استراتيجية كبيرة نظراً لكونه شرياناً حيوياً لإمدادات الطاقة، حيث قامت دول مجلس التعاون بدور مسؤول في الحفاظ على تدفقات إمدادات الطاقة رغم كل الظروف طوال أربعين عاماً، لذا فليس من المُستغرَب أن يشكل هذا الانسجام بين أعضاء المجلس ركيزة أساسية في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.
وأكد الحجرف موقف دول المجلس الثابت والداعم للحق الفلسطيني، وهو ما تم تأكيده عبر مختلف قمم دول مجلس التعاون، انطلاقاً من قناعة راسخة بأهمية دعم حق الشعب الفلسطيني وفقاً لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمرجعيات المُتفق عليها في هذا الخصوص، منوها بأن الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا في المنطقة في مضمار السلام هي محل كل تقدير، مُذكّراً بمبادرة السلام العربية التي قدّمها العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، عندما كان ولياً للعهد وطرحها في القمة العربية في بيروت عام 2002، وهي تعكس الموقف الإجمالي للدول العربية تجاه السلام المنشود في المنطقة.
وأشار الحجرف إلى أن دول المجلس مقبلة على أهداف في غاية الأهمية، حيث اُختتمت في شهر نوفمبر الماضي رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين، وهي المهمة التي أثبتت فيها المملكة مكانتها واستحقاقها الكامل للريادة من خلال قيادة أعمال المجموعة في هذه الفترة بالغة الصعوبة، بما تمثله المملكة من ثقل اقتصادي وسياسي على الصعيدين الإقليمي والدولي، في الوقت الذي تستعد فيه دولة الإمارات لاستضافة «إكسبو 2020».
وعن الدروس المستفادة من عام 2020 بكل ما حمله من تحديات صعبة للمنطقة وللعالم أجمع، قال الحجرف إن الدرس الأهم المُستفاد من عام 2020 هو أن الشعوب لا يمكنها أن تواجه التحديات فُرادى، وأن التعاون هو السبيل الوحيد لتخطي المواقف الصعبة، حيث أثبت العالم في مواجهة وباء كورونا المستجد أن العمل الجماعي يمكن أن يكون السبيل للتغلب على التحديات.
من جهته أكد الكاتب الصحفي الأمريكي المعروف توماس فريدمان أن إدارة الرئيس بايدن تدرك تماماً أهمية الحفاظ على أمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وهو ما يشكل أحد أولويات الإدارة الأمريكية، مشيراً إلى أن هناك العديد من العوامل التي ستسهم في تشكيل مسار السلام في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، مع مراعاة المصالح الوطنية لكافة الأطراف. ووصف فريدمان في جلسة حوارية ضمن المنتدى النظام الإيراني بأنه «كارثي» إذ فوَّت على شعبه العديد من الفرص، مشيراً إلى أنه شعب ذكي وله حضارة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ ولديه موارد طبيعية هائلة، وهي أمور تؤهله ليكون في مكانة أفضل اليوم لولا السياسة الإيرانية التي طالما ركزت على إضرام نيران الصراعات الطائفية في عدد من دول المنطقة، وقال إن التغيير الأعظم في منطقة الشرق الأوسط هو القناعة الجديدة السائدة هناك بأن الأجندات السابقة جميعها غير ذات جدوى، وأن المستقبل يحتاج إلى فكر جديد ورؤية أكثر انفتاحاً.
ورداً على سؤال حول رؤية فريدمان لما يمكن أن يكون عليه أسلوب عمل الإدارة الأمريكية مع تولي الرئيس بايدن مهامه الرئاسية، ولاسيما فيما يتعلق بالشؤون الداخلية، قال إن الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية في ساوث كارولينا هم الذين منحوا جو بايدن الفرصة للوصول إلى سدة الحكم، وذلك لقناعة الناخب الأمريكي هناك أن الولايات المتحدة عانت طوال السنوات الأربع الماضية من حالة شديدة من الانقسام، وأن البلاد أصبحت في حاجة لمن يزيل أسباب هذا الانقسام، وقال إنه من خلال معرفته الشخصية بالرئيس المنتخب جو بايدن فإنه يدرك أن من أهم سماته أنه يتمتع بشعبية كبيرة وحب مماثل من الناس، في وقت تسود فيه مشاعر الكراهية المجتمع الأمريكي، ما يؤهله لتولي مسؤولية رأب الصدع وإعادة الأمور إلى نِصابها، وهي مهمة وصفها بالصعبة نظراً لحالة الانقسام الحاد التي تهيمن على المجتمع الأمريكي في هذه الآونة. وبالنسبة لتقييمه للتوقعات التي تشير إلى سير الرئيس بايدن على خطى الرئيس باراك أوباما، وهو ما يتضح من خلال اختيارات الرئيس بايدن لفريق إدارته، قال توماس فريدمان إن هذا أمر طبيعي ، واختيارات الرئيس بايدن في واقع الأمر تعود إلى احتياجه إلى فريق قادر على مواجهة المهمة الكبيرة التي تنتظره والإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب الأمريكي، فضلاً عن رغبة الرئيس بايدن في الاستعانة بأناس يثق في خبرتهم وقدرتهم على التصدي للمهام الصعبة التي تنتظرهم من اليوم الأول، وقال لا يمكن الدفع بأن أداء إدارة الرئيس بايدن سيكون مماثلاً لأداء إدارة الرئيس أوباما، مؤكداً أن العالم قد شهد تغيرات عميقة على مدار السنوات الأربع الماضية، وأن العالم الذي ستمارس الإدارة الجديدة عملها فيه هو عالم جديد كُليّاً.