عطية محمد عطية عقيلان
نشهد كثيرًا في اجتماعاتنا وجلساتنا خلافًا «غالبًا» على درجة الملوحة أو «الحلا» في الأكل والشراب. وهو اختلاف طبيعي بين الناس. وهذه من المزايا الرئيسية للإنسان عن باقي المخلوقات. ورغم ترديدنا عبارة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية إلا أن الواقع المعايش يشهد عكس ذلك من قطيعة وعداء نتيجة هذا الاختلاف، رغم استشهادنا دومًا بأن أصابع اليد الواحدة مختلفة.
نعيش حياتنا في تبني مواقف وآراء، لكنها تتعدل وتتبدل وتتطور وتتغير بناء على ما نمرّ به من تجارب ومعلومات، تغير رؤيتنا ونظرتنا إليها.. ولكن أسوأ ما نواجهه في علاقاتنا الشخصية هو بحثنا عن الاختلاف والجدال من أجل الاختلاف فقط. ويقع أغلبنا في هذه الصفة الذميمة، ونسعى إلى تعميم وفرض أفكارنا وآرائنا وميولنا وأحيانًا ذوقنا على الآخرين. ومن كثرة قيامنا بذلك تتحول إلى عادة طبيعية، وردة فعل عند أي نقاش. علمًا بأن بعضها يحمل تعنيفًا وتسفيهًا و(تكسير مجاديف) لهم، خاصة في الأشياء التي لها علاقة بالذوق والاستحسان الشخصي. ولتعديلها تحتاج منا إلى التدريب المستمر لضبط ردات فعلنا عند طرح آرائنا أو التعبير أو التعليق عليهم؛ لذا لا بد من معرفة وإلمام بأمور، منها:
- إن وجهة نظرنا إزاء الألوان أو نوع السيارات أو الأندية هي رأي شخصي، لا يمكن تعميمه وفرضه على الآخرين؛ لذا نجد لكل نادٍ جماهيره، ولكل سلعة أو منتج أو فنان متابعين ومتشبثين به؛ لأنه يوافق حبهم وذوقهم الشخصي.
- لنتمرن على أن تكون ردات فعلنا وآرائنا إيجابية، خاصة في الأشياء التي لا تتطلب منا أي تكاليف مالية؛ فلا ضير منك من الكلام الإيجابي الداعم عند زميلك أو قريبك عند شرائه منزلاً، أو لون سيارة، أو هاتف.
- لنحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الاختلاف المنفر أو الحاد الذي يؤدي إلى علاقات ضعيفة مهلهلة، والتنظير في حياة وقرارات وأذواق الآخرين.
- ولنتذكر بأنه ليس مطلوبًا منا أن يكون لنا رأي في كل شيء وكل موضوع؛ فليس من الحكمة إبداء آرائنا، حتى ولو بدون معرفة منا؛ فنحن لسنا شمسًا شارقة، ولا يضرك أو يعيبك أن تكون مستمعًا جيدًا بدلاً من أن تكون مناقشًا مجادلاً و»بعباطة».
لذا لنطبق مفاهيم الاختلاف على أنها شكل طبيعي بين البشر، ونصنع منه فرصة لإضافة واكتساب معلومات وخبرات إضافية.. ولنؤمن بأنها نتاج عوامل وظروف، تختلف بيننا، وأن آراءنا وأفكارنا متطورة ومتغيرة حسب علاقاتنا وثقافاتنا واطلاعنا. وتعجبني مقولة المفكر العراقي علي الوردي -رحمه الله-: «ليس من العجيب أن يختلف الناس في ميولهم وأذواقهم، ولكن بالأحرى العجب أن يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف». فلنبتعد عن التشبث بآرائنا وأذواقنا على أنها مسلّمات مطلقة؛ فهي في النهاية رأيك الشخصي، ومطلوب أن تطرحه بشكل محترم ومقبول، وليس فرضًا وقانونًا يجب أن يُتبع. ولا ننسَ تطبيق المثل الشعبي الذي نكرره دومًا «لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع».. وهي تنطبق على الأفكار والميول والأذواق أيضًا؛ فاحرص على أن تكون مملوحًا في سلوكك وردات فعلك، ولا تزيد عيار الملح حتى لا تكون ضارًّا على الآخرين.