د. محمد عبدالله الخازم
كتبت أتساءل عن قيام هيئة تقويم التعليم والتدريب بمهام التصنيف والترتيب للجامعات، وهي المعنية بالاعتماد الأكاديمي خشية التعارض بين الاعتماد والتصنيف. وبعد نقاش مع بعض المهتمين أعود لمزيد من الإيضاح. لم تكن الفكرة التشكيك في قدرات الهيئة، حيث المهمة ليست معقدة وضع معايير باعتبار التصنيفات متعدِّدة ويسهل معرفة آليات عملها وتطبيق بعضها. رغم أنه لا يوجد تصنيف واحد يتفق الجميع على دقته العلمية. ما كتبته ولا أزال أدندن حوله، يتعلَّق بالمبدأ ذاته المتمثِّل في القيام بالاعتماد الأكاديمي والتصنيف من قبل هيئة حكومية واحدة. أدافع عن الجامعات الحديثة والصغيرة ولا أريد لهيئة تقويم التعليم أن تقدِّم (كشكولاً) من المهام المتناقض بعضها. لدينا تجربة هيئة التخصصات الصحية التي تقوم بمهام متعارضة؛ تدريب وتصنيف وترخيص وجمعيات وغيرها من الأعمال، وأخشى سير هيئة تقويم التعليم على خطاها. وما يدرينا، قد تقلّد هيئة التخصصات هيئة التعليم فتصنف المستشفيات!
ما هي أهداف التصنيف؟ حتماً، لن تقوم جهة حكومية بعملية التصنيف لمجرد ترف الترتيب، بل ستؤثّر على توجهات الحكومة والمجتمع في النظر للجامعات، وستؤثّر على الدعم المقدَّم للجامعات. حالياً، هناك فجوة كبيرة في دعم الجامعات الحكومية من ناحية الميزانيات والبنى التحتية، فكيف نأتي ونقارن ونحاسب الجميع وكأنهم سواسية. جامعاتنا (الحكومية) ليست مستقلة وميزانيتها حكومية، فلا تصنفها بنفس المعايير ما لم تكن هناك مسطرة واضحة وعادلة في مجال الميزانيات والدعم. أمنحني نفس الفرص والمميزات ثم حاسبني أو صنفني مع الآخرين، أما أن تضعني بعد الآخرين بمسافات وتطلب مني منافستهم، فهذا أمر غير مقبول. إذا لم تقارن إنتاجيتي مع ما يتوفر لدي من موارد فأنت لا تقيس كفاءتي!
جامعاتنا مرجعيتها متنوِّعة؛ أهلية، تجارية، حكومية، مستقلة، متخصصة، وتابعة لشركة؛ فكيف يصنف الجميع بنفس الآلية والطريقة؟ هل نكرِّر السوء الذي تقوم به التصنيفات التجارية؟ حتى وإن ادّعت الهيئة جودة معاييرها ومراعاتها للفوارق، من يثقف المجتمع والمسؤول غير المتخصص بتلك التفاصيل؟ الناس ستنظر للتصنيف على أنه ترتيب فقط. أي تصنيف (وطبعاً أتحدث عن تصنيف لا تقوم به هيئة الاعتماد الأكاديمي) يجب أن يصنف الجامعات أولاً إلى فئات ومن ثم تتنافس كل فئة فيما بينها، ولا أحسب الهيئة تقوم بذلك. لا يستوي المنطق مقارنة الجميع بنفس المعايير.
من الواضح أن هيئة تقويم التعليم تقرّر إجراء التصنيف والجامعات - على اقتراض استقلاليتها- لم تبد رأيها في التصنيف أو الاختيار بأن تكون مشاركة فيه أم لا. وهل تستطيع إبداء رأيها متجرداً وهيئة تقويم التعليم تملك مصير اعتمادها الأكاديمي؟! من يضمن الفصل في المصالح بين الاعتماد والتصنيف بالنسبة للهيئة أو الجامعات؟
لا بأس بوجود تصنيف موضوعي تتولاه جهات غير حكومية محايدة، لكنني أتحفظ على قيام هيئة حكومية بالاعتماد الأكاديمي والتصنيف معاً. أنا هنا، أدافع عن الجامعات بصفة عامة - وليس الكبيرة فقط - كما أدافع عن هيئة تقويم التعليم لتبقى على هيبتها وتركيزها في الاعتماد الأكاديمي بالنسبة للجامعات ومهامها الأخرى المتعلِّقة بالتعليم العام بعيداً عن قلق ومشاكل التصنيف..