محمد سليمان العنقري
أعلنت بريطانيا سلالة متحورة من فيروس كوفيد 19؛ وهو ما استدعى تحركًا دوليًّا سريعًا بإيقاف الرحلات من وإلى لندن، المكان الذي اكتُشفت به حالات عديدة للفيروس المتحور. ورغم أن العلماء المختصين بالأوبئة والفيروسات أكدوا أن هذا التحور إلى الآن لم يغيّر في تأثيرات الفيروس على المصابين من حيث الأعراض، وكذلك بروتوكولات العلاج، والأهم هو ما أكدوه بأن فاعلية اللقاحات التي رُخصت من دول عديدة ما زالت عند مستوياتها المعلنة للحد من تفشي الوباء، لكن العالم بات أكثر خبرة في التعاطي مع هذا الوباء، واتخذ كل الإجراءات الملائمة للحد من تفشيه بوقت قياسي؛ وهو ما يعني أن تحجيم انتشار الوباء بأقصر وقت ممكن هو هدف يتم فعليًّا العمل عليه، وهذا ما يعكسه سرعة تبادل المعلومات بين الدول؛ فالفيروس بدأ من ووهان الصينية حسبما أظهرته أغلب التقارير، لكنه كان مجهولاً حينها؛ وهو ما كان له السبب الرئيس في سرعة انتشاره عالميًّا إلا أن ما صدر من بريطانيا يختلف من حيث إن العالم يعيش فصولاً أخيرة من مواجهة الوباء، وبات أكثر خبرة، ومتسلحًا بأهم عامل يحد منه، وهو اللقاحات التي تم التوصل لها، وبدأت العديد من الدول بإجازته واستخدامه.
لكن السؤال الذي يتبادر للذهن: هل سيعود العالم للإقفال مجددًا مع التحور الجديد بالفيروس الذي يُعتقد أنه أسرع انتشارًا بنسبة 70 في المئة؟ والجواب غالبًا هو صعوبة إن لم يكن استحالة العودة للمربع الأول من هذه الأزمة غير المسبوقة بحجمها وتداعياتها؛ فما يحدث هو أخذ إجراءات محدودة، لكنها مناسبة للتعامل مع تطورات الفيروس؛ فلا يمكن العودة لما حدث سابقًا لأسباب عديدة، أولها أن الفيروس لم يعد مجهولاً كما كان ببدايته لدول العالم كافة، كما أن الأساليب الوقائية التي تم اتباعها للحد من انتشاره كالتباعد الاجتماعي، واستخدام أدوات شخصية تمنع العدوى، كالكمامات والمعقمات، كان لها دور كبير في الحد من تفشي الفيروس، وهي الإجراءات ذاتها التي تُتبع مع التحور بالفيروس. إضافة لذلك تم أيضًا التوصل لبروتوكولات علاجية عديدة، كان لها دور في تخفيف أعراض الفيروس، لكن العالم اليوم ليس هو قبل تسعة أشهر بداية الأزمة؛ فاليوم تم الترخيص للعديد من اللقاحات التي تعد السلاح الأهم في مواجهة الفيروس؛ وهو ما يعني أن عوامل عديدة تدعم العالم اليوم لعدم العودة للإقفال الكبير الذي أيضًا بات فيه صعوبات أخرى اقتصادية، تتمثل في ارتفاع البطالة عالميًّا، واحتمالات زيادة سريعة بنسب الفقر، إضافة لمنع تعطل سلاسل الإمداد من سلع غذائية ومستلزمات طبية ومواد عديدة، تحتاج إليها الدول والمصانع.
فالعالم اليوم بات أكثر استعدادًا لمواجهة الوباء والتعامل معه حتى تعود الحياة لطبيعتها.. فالمبالغ المالية التي رُصدت لبرامج تحفيز عديدة في الكثير من دول العالم حققت نتائج جيدة بتخفيف آثار وتداعيات الجائحة، وما زالت الدول تقوم بإجراءات وتدابير تدعم عودة اقتصاداتها للنمو؛ ولذلك لا يمكن توقُّع عودة الإقفال الواسع مجددًا؛ لأن التدابير التي اتُّخذت وزيادة الوعي لدى الشعوب بطرق الوقاية من الفيروس ستسهمان في استمرار دوران عجلة الاقتصاد العالمي نحو النمو مجددًا، وتلبية الطلب على السلع والخدمات.. فالجميع بات حريصًا على الإسراع بالعودة للحياة الطبيعية التي بدأت بعض التوقعات من دول كبرى، مثل أمريكا وبعض الدول الأوروبية، بتحديد الصيف القادم وقتًا متوقعًا لها، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب تكاتفًا وتعاونًا دوليًّا، وأيضًا يتطلب وعيًا واسع النطاق من الشعوب بأهمية الإجراءات التي تُتخذ للحد من تفشي الوباء، وعدم الإنصات للشائعات، والاعتماد على المعلومات والبيانات التي تصدر عن الجهات الرسمية المعنية بالشأن الصحي، كوزارات الصحة وهيئات الغذاء والدواء. الجوائح تعد من كبرى الكوارث الصحية، ويترافق معها ظهور ثلاثة عوامل، تنتشر بالمجتمعات أكثر من تفشي الفيروس نفسه، هي «نظرية المؤامرة، والعنصرية، وتغيير ثقافات وسلوكيات الشعوب»، وذلك وفقًا لدراسات متخصصة عن الجوائح. ويعد التصدي لأخطر ظاهرتين ترافقانها، وهما نظرية المؤامرة والعنصرية، من أهم عوامل نجاح الحد منها والسيطرة عليها؛ لأن في ذلك انعكاسًا إيجابيًّا على المجتمعات بتعزيز صحتها، وعودة أسرع للنمو الاقتصادي لتجاوز تداعيات الجائحة.