علي الخزيم
آثار فضولي ما سمعته من متحدث يزعم أن الكأس الرمزية التي تُقدَّم للفريق الفائز بمسابقات كرة القدم بدعة وضلالة وانه يجب التفكير بإلغائها او استبدالها بما يجوز التعامل معه والتعاطي به كجائزة مباحة على حد قوله، وفهمت أن دليله انها بدعة غربية من أعداء الإسلام! وعلى هذا القياس كان يجب - لو اتَّبعت الشعوب الإسلامية قوله - ان نتجنَّب كل معطيات الحضارة وسبل تيسير المعيشة والتنقل والعلاج وغيرها مما ينتجه الغرب! وهذا عسير وتشدد بغير محله، فالمسلم الصادق قوي الإيمان يتعايش مع الآخر ويتعاطى مع ثقافته وعلومه، يأخذ ما صلح ويتجاوز ما لا يتفق مع دينه ومبادئه، والعرب والمسلمون منذ القدم كانوا يتبادلون معهم التجارة والمعارف والعلوم وازدهرت التراجم بين الجانبين وما زالت تزداد وتتطور، وكان المتحدث تلك الساعة يقتني أجهزة اتصال وسيارة غربية؛ ومنزله قائم على كثير من منتجاتهم ومخترعاتهم، غير انه بدافع من الغيرة على الدين بطرق متشددة مبالغ بها ينسى او يتناسى جُلّ ما يحيط به من منافع يرغبها؛ ويدقق بأمور هامشية ليُشبِع بها ميله لذاك التوجّه.
وقادني الفضول لأعرف ان قدماء اليونان كانوا يُقدِّمون للفائزين بالألعاب الأولمبية أكليل الغار، وفي بعض البطولات يعطى الفائز كأساً على هيئة مزهرية ثلاثية القوائم أو درعاً برونزية أو كأساً فضية، وكانت بمعتقدات سحيقة تُصوِّر (آلهة النصر) عند اليونان ويعلو رأسها قدراً ذهبياً كرمز لتتويج الفريق المنتصر بالبطولة، ومن اسعد اللحظات عند أي لاعب كرة قدم حين يصعد إلى منصة التتويج ببطولة محلية او عالمية لرفع كأس الفوز، وكانت بداية مثل هذه الاحتفالية شهر مايو 1928 عندما وافق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) باجتماع تاريخي على إقامة أول بطولة لكأس العالم؛ وفي 1930 سلَّم الفرنسي (جول ريميه) الذي تولى رئاسة الاتحاد الدولي للّعبة لمدة 33 عاماً أول كأس لهذه البطولة لمنتخب أوروغواي.
الحديث عن كأس بطولات الكرة وما تُمثِّله من رمزية لبطولات الأندية والدول يُذكِّرني بالفارق بينها وبين ما يُقدَّم بكثير من مناسباتنا من دروع تذكارية تزدحم بها واجهات بعض الدوائر الرسمة ومكاتب رؤساء تلك الدوائر، فهي لا ترتقي بنظري مرتقى الكؤوس! لان الدروع باتت تقدم لكل المستويات بكل مناسبة صغرت أو كبرت أهلية أو رسمية، حتى إني كنت ذات مرة مدعواً لعشاء، تكريماً لصديق قدم من سفر طويل فاذا بأصحاب الدعوة وعدد من المدعوين يقدمون للضيف دروعاً تتراوح قيمة كل منها - بتقديري - بين (35 - 75 ريالاً)، وسرحت أفكِّر بجدواها ومعناها الرمزي! فحتى الأطفال الذين يلعبون الكرة بالحي يُقدّمون هذه الدروع لتكريم اقرانهم المتميّزين، ولا أفهم اختيار الدرع التي أصل استعمالها لاتقاء حراب وسيوف المتحاربين لهذه المناسبات، ولعل التوجّه الأفضل يكون باستبدالها بما هو ألطف وأنفع وأبلغ تعبيراً وأثراً يبقى ما بقيت الذكرى الطيبة لتلك المناسبة وذاك التكريم، لا سيما انها بوضعها الحالي تحمل جملاً وكلمات مكررة محفوظة؛ وقد تكون عند البعض مملة مُنفِّرة.