محمد ناصر الأسمري
الكذب مذموم في جل الشرائع والعادات. وفي الحديث عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا. وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي عصرنا الحالي تطورت أساليب الكذب في الأخبار وبعض المعلومات تزويرًا وتحريفًا.. والغاية تشويه وفحش. وكم من كتاب أبيض صدر من ساسة لم يكن له من البياض سوى ظلمة غمط الحق من أجل غايات سوء، تولد زعزعة الثقة بين الناس في تصديق ما يبث ويرسل. ولعل ما يبث في وسائط التواصل الاجتماعي، سواء في منصة تويتر أو الواتساب، شيء مريع في كم هائل من الكذب والتضليل بما يربك ويشين، وبخاصة القص واللصق من أناس ليس لهم فهم ولا وعي شرعي ولا سياسي.
لكن في تراثنا الجميل أن هنالك كذبًا أبيض مندوبًا إليه من أجل الإصلاح والصلاح. ووفقًا لما جاء في موقع الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-:
«الكذب في الإصلاح لا بأس به، بل صاحب الإصلاح مأجور وإن كذب؛ لما ثبت عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فيقول خيراً، وينمي خيراً). سماه غير كذاب؛ فالذي يصلح بين الناس، بين رجلين متخاصمين، أو بين قبيلتين، أو بين الأسرة فإنه يكذب كذباً لا يضر أحداً، وإنما ينفع الأسرة، ويسبب الصلح بينهم؛ فلا حرج في ذلك».
فإذا كذبت على أهلك بأن زوجك يدعو لهم، وأنه يثني عليهم، وأنه يحب لهم الخير..، وكذبتِ عليه وقلتِ له: «إن أبي يدعو لك، وإنه يثني عليك ويحبك، وأمي كذلك، وأخواتي وإخواني»؛ حتى تصلحي بينهم على وجه ليس فيه شر فلا بأس؛ وأنتِ مأجورة في هذا. ولعمري إن نهج الصلح والصلاح مسارات جميلة من أجل السلام والسلامة، فهل سيكون في هذا سبيل يسلكه الوعاظ وخطباء المساجد والمعلمات والمعلمون لرشاد وإرشاد المتلقين توضيحًا وتصحيحًا.
ولعل ما ساعد على إشاعة الكذب اليوم ما صار يبث في مواقع القبيلة والقبائلية من أشعار تمجّد كذبًا وزورًا أفعال وسلوكيات تضرّ ولا تنفع اللحمة الوطنية وترسيخ الولاء للوطن.. فبكل أسف وأسى تجد أناسي قد وصلوا إلى مناصب، ووُلُّوا أعمالاً، وقد انساقوا خلف (مهايطات) شعبوية سخيفة، وتجد مَن ينتشي لما يدور من أشعار، بل مقاطع مرئية مخجلة، ليس منها ولا لها أي عائد مربح.