فضاءُ اللغة العربية واسعٌ، وجمالُ حسنها ناصعٌ. هي أُم اللغات، ومعدن الكلماتِ. بحرها عميق، وتاريخها عريقٌ. البلاغة فيها فن، والنثر منها كالمن. قواعدها أركان، والقصائد منها تزدانُ. هي لنا مفخرة، ولغيرنا مُبهرة.
هذه قصيدتي في اليوم العالمي للغة العربية لعام 2020م.
ولعلي هنا أكون أوفيت لها حقًّا، ولستُ ممن لها عاقًّا.
من أي نهرٍ في الموارد أستقي
ولأي هاماتِ المفاخرِ أرتقيِ
لُغتى هيَ الفخرُ الذي أزهو به
لمّا أنافحُ عن سناها المُشْرقِ
رُفِعتْ بآي الله في آفاقها
والحقُّ جمَّلها بحسنِ المَنطقِ
تسمو معانيها ويسفرُ وهجُها
بين اللغاتِ بمغربٍ وبمشرقِ
هي في الإبانةِ كالرياحِ قويةٌ
هي طاقةُ الكونِ البديع الأعمقِ
هي ثروةُ الذّهبِ التي تَبقى لنا
لا شيءَ يَذهَبُ إنْ تألقُها بَقي
لغةُ الشموخِ لكَمْ أراكِ عروسةً
وأرى ضياءَك في الظلامِ المُحدِقِ
هذا لسانُ الضّادِ فيكِ سلاسةٌ
بسمَتْ كغُصْنٍ بالنضارةِ مُورقِ
يعلو سناكِ ومَن نعاكِ سينحني
ويهيمُ في لُجَجِ الضّياعِ المُحْرِقِ
يا طاقةَ الكلماتِ هيا غَرّدي
كالشمسِ تسطعُ في المدارِ الأزرقِ
سيفيضُ غيثُك وابلًا مُتدفّقًا
مدًّا وجزرًا ذا يفيضُ وذا يقي
هجرَ الشبابُ ربوعَ أُنسكِ ويحَهمْ
يا ليتهم فهموا رَوَاءَ المنطقِ
من ضيّعَ اللغةَ التي هي إرثُنا
تلقاهُ يلهثُ في سديم مُطبِقِ
كل اللغاتِ تسابقتْ كي تنتقي
من طيفِ روعتكِ البهيِّ المونقِ
كلُّ اللُّغاتِ بمجدِ نحوِك تَغتني
هيّا ازدهي في سُندسٍ واسْتبرقِ
يا ضادَنا فيكِ القواعدُ كالمدى
والبحرِ فيه الدرُّ منثورٌ نَقي
علمُ البلاغةِ في رُباك حدائقٌ
وبحور شعرِك لؤلؤٌ للمنتقِي
الاسمُ فيك تعدّدتْ أشكالُه
والفعلُ بين المقتفي والُمطلقِ
فيك الجموعُ تمايزتْ حلقاتُها
فيك الضمائرُ تختفي بتألقِ
يأتي المضافُ وما تلاهُ يجرُّه
والحالُ منصوبٌ بفتحٍ مُبْرِقِ
ويشعُّ من ظرفِ الزمانِ بريقُه
فيطلُّ ظرفًا في المكانِ الضّيّقِ
لا تحزني لُغتي فمثلك لا يرى
إلا كنسرٍ في الفضاء مُحَلّقِ
تفديك روحي والقصائدُ فيضُها
يَسقيك من لحنٍ شجيٍّ شيِّقِ
** **
- شعر/ د. سالم بن محمد المالك