رجاء العتيبي
طالما نحن نفكر باللغة، فليس ثمة جدوى في برامج تطوير اللغة، وليس ثمة جدى في أيام اللغة العربية التي نكتب فيها كلاما عاطفيا، ننساه بانتهاء اليوم، ويأتي اليوم الذي يليه في العام القادم، ونعاود العواطف ذاتها، والخطابة ذاتها، والبكائية ذاتها، ولا جديد في هذا اليوم الذي يشبه أسبوع الشجرة، احتفلنا به أسابيع مديدة ولا جديد، مازالت بعض المدن قاحلة.
يكفي تطوير الفكر، وبشكل تلقائي تتطور اللغة. يكفي تطوير الثقافة وبشكل تلقائي تتطور اللغة. يكفي القراءة، القراءة، القراءة ثم النقاش والحوار والتأليف وبشكل تلقائي تتطور اللغة. يكفي الكتابة، الكتابة، الكتابة، ثم تتطور بها اللغة بشكل تلقائي. يقرأ الناس في الفلسفة، في المنطق، في المعرفة، في الأخلاق، فتتطور لغته بشكل تلقائي. هذا كله لأن اللغة أداة وعي بها كل المدلولات والمعاني، فمجرد أن تفكك اللغة، يتكشف لك الفكر، ولا يتكشف شيء آخر. تتكشف تناقضات، أساطير، أوهام. اللغة لا تتكلم وحدها، هي مجرد رموز.
وتطوير الفكر لا يأتي في يوم واحد مثل الأيام العالمية، إنما على مدار سنوات منذ الابتدائي، وحتى الجامعة، وفي الأنشطة غير الصفية، والاحتكاك مع المجتمعات الأخرى، والترجمات والتعريب والقراءة.
إذا فعلنا مثل ذلك، تطور الفكر، وعندما يتطور الفكر، يكون الإنسان قادراً على التعبير عن ما يجول في خاطرة، ولأنه يفكر باللغة، تظهر لغته التي فكر بها، تظهر عبر مقالة أو كتاب، أو كلمة، أو لقاء بشكل تكون لغته انعكاس لفكره: راقية، ومنطقية، وعقلانية، وموضوعية، ومتطورة، وحضارية، وأخلاقية.
مفكرون ومثقفون وأدباء عرب، سافروا للعواصم الغربية ودرسوا هناك، وعادوا إلى أوطانهم يكتبون بلغة عربية عميقة، قوية، مؤثرة، إضافة إلى لغاتهم الأجنبية التي حملوها معهم، لم ينتظروا يوما في السنة يطور لغتهم، ولم ينتظروا مقالا يبين عظمة اللغة العربية، ولا تغريدة يكتبها صاحبها قائلا: «إنها لغةٌ جميلةٌ».
لا أظن أحداً يجهل ذلك، ولكن لا يريد البعض أن يعمل، لأن العمل يحتاج ميزانيات، ويحتاج الاستعانة بالقدرات الفكرية، والمبرزين في اللغة، في حين البعض لا يعنيهم أكثر من فلاش وصورة بجوار حرف الـ(ض). وكأنه أتى بالذاهبة. اللغة العربية أكبر من مجرد فعالية مكرورة وخطب وتغريدات.
تكرار أخطاء الماضي تعطي نفس النتائج، وتكرار استراتيجيات قديمة، هي الأخرى تعطي نفس النتائج، وجود نفس العقول، تعطي نفس النتائج، لا جديد منذ أسبوع الشجرة، وحتى اليوم العالمي للغة العربية، واليوم العالمي للمسرح، أما الذين فكروا باللغة، أنتجوا وأبدعوا وأثروا بدون أيام عالمية، ومن دون تعلم قواعد اللغة العربية.