د.عبدالله بن موسى الطاير
بات العالم متيقناً أن عهد الرئيس ترامب قد أفل بمجرد تصويت المجاميع الانتخابية الأمريكية رسمياً يوم 14 ديسمبر لصالح جو بايدن. لم يكن أحد ينتظر إلى هذا التاريخ لتأكيد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فما كان يصدر عبر شبكات التلفزة الرئيسية مساء يوم الانتخابات الرئاسية كان يُؤخذ على أنه النتيجة النهائية وعلى ضوئه يتصل المرشح الخاسر بالفائز مباركاً له، ويمضي يوم 14 سبتمبر دون علم المواطنين الأمريكيين العاديين، وكذلك يكون يوم 6 يناير عندما يجتمع الكونجرس للتصديق على النتيجة استكمالاً للشكل القانوني لا أكثر.
لا يزال الرئيس ترامب يشكك في النتيجة، ولا أظنه يعوّل كثيراً على اجتماع الكونجرس لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية لصالحه، ذلك أن الأمر يبدو شبه متعذر، وإن حصل فإنه لن يمر مرور الكرام على الذين صوّتوا للرئيس المنتخب جو بايدن. خطاب الرئيس ترامب المكرر حول سرقة الانتخابات يشي بأنه لن يعترف بالهزيمة ولن يبارك لبايدن ولن يحضر التنصيب الذي سيكون احتفالاً افتراضياً، ولكن ترامب مثل الشعبويين من أتباعه لا يخجل مطلقاً من تغيير مواقفه أو التصرف على نحو غير متوقع. وسواء اعترف بالهزيمة وسلّم بأنه خسر الانتخابات أو لم يفعل فإن ذلك لا يعني شيئاً سوى أنه سيكون أول شخص في العصر الحديث يرفض الاعتراف بفوز منافسه ويمتنع عن تهنئته والتسليم برئاسته. الرئيس يحب تسجيل مواقف ولو كانت ناشزة؛ هو في نهاية المطاف يريد أن يكون أول رئيس في العصر الحديث يمتنع عن الاعتراف برئاسة منافسه، وبالنظر إلى سماته الشخصية فإن هذا السبق سيكون أحد المكاسب.
لقد آذنت شمس ترامب بالمغيب، وهناك من ينتظر السادس من يناير، فلعل الكونجرس يطيح بالرئيس المنتخب. وإن فعل فسيقدح شرارة حرب أهلية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تؤدي ربما إلى طلب ولايات الخروج من الاتحاد الأمريكي. لا أظن أن الرئيس وبعض أتباعه يعنيهم مستقبل أمريكا كما يعنيهم فوز ترامب.
مباركة زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ وعدد من الجمهوريين في الكونجرس تؤشر إلى أن الكونجرس سيمضي قدمًا في التصديق على فوز الرئيس المنتخب بايدن. هناك من يصلي لتجنيب العالم تهورًا ترامبيًا بقصف إيران لإشغال الحكومة القادمة وتعطيل فاعليتها، وهناك من يذهب إلى أن ترامب قد يتخذ قرارات تحرق الأخضر واليابس فيما بقي له من وقت. في المقابل هناك أيضاً من يراه جباناً لا يجرؤ على شن الحروب، وكلما ارتفعت وتيرة تهديداته تكون أفعاله هزيلة.
ما بعد حقبة ترامب يحتاج إلى الكثير من العمل داخل أمريكا وخارجها، فالجفاء الذي تولَّد بين ولاية تكساس وأربع ولايات أمريكية حاولت تكساس التدخل في شؤونها الداخلية سيترك أثرًا في العلاقة بين الولايات المعنية. كما أن عمق الفجوة بين المكونات الأمريكية يتطلب وقتاً وجهداً لردمها إن قدر لبايدن فعل ذلك خلال أربع سنوات. إعادة أتباع ترامب من المتعصبين العنصريين إلى بيت الطاعة سوف يأخذ وقتاً وجهدًا كبيرين. يُضاف إلى متاعب الإدارة القادمة أجندة يسارها المتطرف الذي يرغب في أن يرى بعض سياساته تأخذ طريقها للتنفيذ وبعض قادته في مناصب حكومية.
أما خارجيًا فإن إدارة بايدن ستكون مهمومة بإعادة نسج علاقاتها مع أوربا التي تضرَّرت بشكل واضح، وسيكون من متطلبات ترميم العلاقة العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ. لا أظن الشرق الأوسط وروسيا والصين ستكون ضمن الأولويات إلا فيما يخدم مصالح أمريكية غير قابلة للتأجيل. سوف نرى نقض عدد كبير من المراسيم التي أصدرها ترامب فيما يخص السياستين الداخلية والخارجية، بيد أن ما يخص إسرائيل من تلك المراسيم لن يمس.
القول بأن نجم ترامب قد أفل هو الأقرب للتصديق، ولكن ظاهرة ترامب ستبقى، وسيخرج من يقلِّده، وربما يتشكَّل تيار سياسي يغذي هذه الظاهرة وينميها، وقد تؤكد المؤسسات الأمريكية تماسكها وتعمل على استيعاب هذه الظاهرة حتى يتم ترويضها مع الوقت. وأياً كانت المآلات، فإن أمريكا قد بدأت بالفعل مرحلة جديدة في تاريخها، وخصوصاً أن بايدن قد لا يقوى على خوض انتخابات التجديد وأن المجتمع الأمريكي سيجد نفسه في مواجهة نائبة رئيس مهاجرة قد يدفع بها الحزب الديمقراطي للرئاسة عام 2024م مما سيستفز أتباع ترامب ويعيد لهم المبادرة في تجميع قواهم وحشد طاقاتهم بمرشح من نوع ترامب يعزف على وتر العنصرية وتخويف الأمريكيين البيض والجماعات المحافظة على مستقبل وهوية أمريكا.