رمضان جريدي العنزي
المكابرة صفة ذميمة ورديئة، يأباها العقلاء، ويلفظها العقل والمنطق، ولا يتمثل بها أو يلجأ لها سوى المتوهمين الحمقى والمأزومين المسكونين بداء النرجسية والكبرياء، ومن أمثلة هؤلاء: إبليس، قابيل، فرعون، كنعان، قدار بن سالف، النمرود، تارج أبو النبي إبراهيم، هداد بن هداد، ولكل واحد منهم قصة مع الكبر والتعالي والفوقية، كانت نهاية كل واحد منهم مأسوية نتيجة حمقه وتوهمه وكبره، إن المكابرين يعرفون الحقيقة لكنهم ينكرونها ولا يعترفون بها، يعلمون الحق، لكنهم يتنكبونه ولا يقتربون منه، يصرون على الخطأ، ولا يحاولون تداركه، يعاندون الحق، ويجانبون الصدق، ويجحدون الواقع مع إقرارهم به، يتسترون على الخطأ حتى يستفحل ويصل إلى درجة الخطر، إن المكابرين يتنكرون للمبادئ، ويرفضون المواقف الصادقة، بعيداً عن الأخلاق، والضمير الحي، لهم تبريرات خائبة، وأعذار واهية، وأدوار هزيلة، لهم أكاذيب وأباطيل وأضاليل، وعلى عيونهم غشاوة، لا يخلو عصر من العصور، ولا زمن من الأزمنة، ولا مجتمع من المجتمعات، من المكابرين، الذين يرون الحق ولا يتبعونه، ويسمعون نداءه ولا يستجيبون له، ويبقون في باطلهم وغيهم مهما كان الحق واضحاً، إن المكابرين في كل مجتمع لهم صور شتى، مختلفة ومتنوعة، يستعلون على الناس، ولا يتعاملون معهم إلا تعاملاً فوقياً، معجوناً بألوان التكبر، حمقى ويعتقدون أنهم عقلاء، مرضى نفسيون وعندهم سواد قلوب، فضلاً عن عزوفهم الكامل عن الأسهام في عمليات النفع الإنساني والإيثار، إن المكابرين دائماً يتجاوزن الحدود وعندهم انتفاخ وغرور واستعلاء، حتى أنهم بصفاتهم هذه يغرقون إلى آذانهم، ويتعدون حدود الطبيعة بكثير، ويصلون حد التخمة، لهم مبالغات ممجوجة، وحماقات ونزوات، يعشقون الذات، ويرفضون الآخر، ويحبون صناعة الأبهة والتشكل في قوالب كما تشتهي أنفسهم وترغب، ويجتهدون كثيراً في إظهار أنفسهم على غير حقيقة ما هم عليه، عندهم إعوجاج سليقة، وتحريف حقيقة، وفهم سقيم، وكل هذه الصفات ذميمة ومكروهة، ولهم مساع محمومة في التزييف والتخريف والتحريف، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، أن اعتداد الإنسان بنفسه، والترفع عن الانكسار لا يلام عليه البتة، لكن الكبر وازدراء الآخرين، والنظر إليهم نظرة ملؤها الفوقية والاستعلاء شيء آخر لا تحبذه النفس البشرية السوية، إن الناس لا يمنحون حبهم وتقديرهم للشخص الذي يتعالى عليهم ويزدريهم، كونهم ينظرون إليه بعين الك والريبة، إن الكبر مرفوض في موازين العقل والشرع والأخلاق، وقد يرتد على صاحبة بأبشع الصور، وأوخم العواقب، أبعدنا الله واياكم وأجارنا من كل متكبر، منتفخ بذاته، ومختال بنفسه، ومتغطرس بالأنا، قاسي القلب، ومتمادٍ في غيه، يجترح الأكاذيب، ويلون البهتان، ويختلق العداوات، ويزرع البغضاء والشحناء، بعيداً عن رحاب التواضع، وفضاء المروءة.