خالد بن عبدالكريم الجاسر
إن تقييم النظرة المستقبلية لسياسة الأمن القومي الإيراني مُفجعة، كونها تتعلق بتكوين القيادة الإيرانية، وسياستها الداخلية وأدائها الاقتصادي، ووضع خصوم إيران وحلفائها، ومسار سياستها الدولية وعدائها العربي الدولي بل والنووي الأمريكي.
فما يُعايشهُ العالم اليوم في واقعنا من إشكاليات إيرانية مع العلاقات العربية - الدولية، ما هو إلا نتاج أزمة نفسية طغت على عقول تاهت بين دروب الشر وشياطين الأوهام كإحياء الإمبراطورية الفارسية القديمة، وكأنها عُقدة تاريخية مُتأصلة في الفكر الإيراني، مدفوعة بنزعات قومية عُنصرية يراها عدد من المُتفائلين أن كافة الضغوط المُستمرة على نظام الفقيه نهايتها الاستسلام والتوقيع على صفقة نووية جديدة بمشاركة الدول الفاعلة في المنطقة، خاصة بعد خروج ترامب، وأنها ستُدعم الحلول في اليمن المعدوم من الحوثيين وعدد من دول المنطقة المُحتلة شيعياً، ولهم الحق في التفاؤل فالخيال مُباح للجميع، لكنه مليء بأوهام منبعها نواياها الشريرة، طالما تستمر في دعم ورعاية الإرهاب، ونشر القتل والدمار بين أبنائها وفي المنطقة.
والسؤال: كيف لإيران أن تحترم غيرها دون أن تحترم ذاتها الداخلية؟!، وهي ماضية قدماً في مسار تغيير طبيعة مؤسساتها، كي تنسجم وطبيعة نظامها، بهدف قمع وتقليص الفارق بين أجهزة الثورة ومؤسسات الدولة، التي جعلت منها مساحة للرأي وزيادة المناورات السياسية، ولعل ما يُدعم هذا الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتغيرات الكبيرة في الجسد القضائي، خاصة بتعيين المُتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً لمجلس القضاء الأعلى على حساب صادق لاريجاني الأقل تشدداً، تبعها تشكيل مجلس شورى راديكالي أكثريته من الحرس الثوري المُتعطش للدماء، ومن المُحافظين المتشددين (المؤسسة العقدية)، مما يُشير إلى قتل الحريات وقمع الشعب المغلوب على أمره المُحتل من قبل نظامه، والذي سيودي به إلى محرقة «نيرون»، لأن كُل الدلائل تلك ما هي إلا إشارة لما هو آتٍ لمنصب رئيس الجمهورية الجديد.. أي أنه سيكون استكمالاً لأنشطة طهران الإرهابية التي اتسمت بالإثارة والمراوغة وتوزيع الأدوار ما بين المرشد (الحاكم الحقيقي) والرئيس (الحاكم الصوري) واللعب على عامل الزمن، فباتت إيران الفارسية تتلظى وراء إيران الشيعية، لم لا وقد تعدوا الحدود عندما شبّه الخميني سُلطة الفقيه بسُلطة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونصّب الخامنئي نفسه فقيهاً معصوماً، وممثلاً إلهياً في الأرض، حيثُ جعلا المذهب الشيعي قوة دينية وهو الذي انطلق منه الإرهاب وعمَّ الخراب، بتصدير إيران ثورتها ومحاولة تشكيل الشرق الأوسط تحت سيطرتها عبر منظمات إرهابية (سبع) حملت لواء الدفاع عن عرش طهران الوهمي خارج حدودها كوكلاء تابعين، فخورين بكونهم وُكلاء يعملون بنظرية «ولاية الفقيه»، في عدد من عواصم المنطقة، تقاتل نيابة عنه، وتنشر الإرهاب والتطرف وتزرع الفتنة نيابة عنه بطاعة عمياء دون مناقشة الأوامر حتى لو أدى ذلك إلى الهلاك. وقد يكون ذلك كلهُ مفيد حيث انقلب السحر على ساحره بعد مقتل زادة، وانقسام النظام الإيراني نفسه حول برامجه النووية القادمة ومآلات العقوبات والعزلة الدولية والانهيار الاقتصادي الذي مات بشعبه المعدوم لأجل نظام مريض وأي مرض؟ بل إنه مرض لا يُشفى إلا ببتر الرأس واقتلاع جذور، ولعلها نهايتها قادمة!!.