محمد سليمان العنقري
خلال لقاء إعلامي لوزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان أوضح أن ما وصل إليه سعر برميل النفط حالياً بتجاوزه مستوى 50 دولاراً كان نتيجة جهود وعمل دولة وقيادة بعد أن انهارت الأسعار في بداية العام الحالي تحديداً في شهر أبريل، حيث وصل سعر البرميل إلى 19 دولاراً، فهذا النمو جاء نتيجة لقيادة المملكة لمبادرة إعادة أوضاع السوق البترولية لاستعادة التوازن الذي ما زالت تسير إليه حيث استطاعت المملكة أن تسهم بدعوتها المنتجين من أوبك وبقية المنتجين في العالم لكي يكونوا جميعاً في توافق لتحقيق التوازن المطلوب الذي يخدم المنتجين والمستهلكين على حد سواء للمدى القريب والبعيد، فصناعة النفط استراتيجية والنظرة البعيدة المدى هي ما يحكم توجهات الاستثمار فيها.
فجائحة كورونا لا يوجد لها مثيل في التأثير في أسعار النفط تاريخياً على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، فالأزمة المالية خفضت الطلب العالمي بنحو 5 في المائة بمعدل يقارب 5 ملايين برميل يومياً، بينما تسبب أزمة نمور آسيا في عام 1997 في انخفاض الطلب اليومي بنحو 3 في المائة لكن أزمة كورونا هذا العام التي نتج عنها الإقفال العالمي الكبير خفضت الطلب بنحو 23 مليون برميل وهو ما تسبب في انهيار كبير لأسعار النفط التي بدأت العام فوق 60 دولاراً وخلال ثلاثة أشهر انخفضت بنحو 70 في المائة لكنها اليوم حققت ارتفاعاً من أقل سعر بنحو 173 في المائة حيث أقفل نهاية الأسبوع الماضي فوق مستوى 52 دولاراً ولكن بالعودة لما تم عمله حتى وصلت الأسعار لهذا المستوى من التعافي فإن العوامل الأساسية التي أدت لذلك تأتي وبشكل أساسي من دعوة المملكة لـ»أوبك +» بالاضافة للمنتجين الآخرين لتحقيق أهم وأكبر اتفاق في تاريخ صناعة النفط لحمايتها من الانهيار حيث بلغت التخفيضات الكلية 19 مليون برميل جلها من دول «أوبك +» بنحو 12 مليون برميل يومياً مع التزام فاق 98 في المائة لأن الدول استشعرت حجم الضرر والخطر على صناعة النفط ولعبت المملكة دوراً قيادياً كبيراً بالتوصل لهذا الاتفاق الذي عالج على مدى الشهور الثمانية الماضية كثيراً من تحديات السوق التي نرى نتائجها الإيجابية اليوم.
فالمملكة جهودها دائماً تنصب في استقرار أسواق النفط لدعم نمو الاقتصاد العالمي وضمان استمرار الإمدادات فهذه الصناعة عميقة بتأثيراتها في الاقتصاد العالمي، إذ ترتبط بها قطاعات عديدة تخدمها كالمقاولات والخدمات اللوجستية وخدمات البورصات ولها تأثير كبير في القطاع المالي وإذا ما انخفضت الأسعار لمستويات توقف بعض المنتجين ذوي التكلفة العالية والأهم توقف الاستثمار بالاستكشاف وزيادة الطاقة الإنتاجية والتوسع بسلاسل الإمداد فإن العالم يواجه بعد عودة النمو شحاً في المعروض يؤدي لقفزات كبيرة في الأسعار بخلاف أن تعطل الاستثمارات يؤدي لتأثير كبير في زيادة البطالة من خلال توقف أعمال الإنشاءات والخدمات لهذا القطاع حيث تعمل فيه عالمياً آلاف الشركات ولذلك كانت أمريكا أحد أكبر المنتجين والمستهلكين للنفط عالمياً أول الحريصين على دعم اتفاق النفط الذي تم التوصل له بمبادرة من المملكة لأن أمريكا لديها شركات عديدة مرتبطة بصناعة النفط وتوظف عشرات الآلاف من مواطنيها بخلاف حجم القروض الضخم المقدم من البنوك لشركات النفط الصخري.
صحيح أننا بدأنا نسمع توقعات من بنوك عالمية لتحاوز البرميل حاجز 60 دولاراً العام المقبل وأن هناك عوامل أخرى دخلت كداعمة لاتجاه النفط للارتفاع مثل ضخ 11 تريليون دولار لإنقاذ الاقتصاد العالمي من قبل مجموعة العشرين حيث توجهت بعض من هذه السيولة لأسواق السلع يضاف لها خفض أسعار الفائدة من الفيدرالي الأمريكي لما يقارب الصفر مما يعني تراجع سعر صرف الدولار وأيضاً الترخيص للقاحات والتفاؤل بعودة الحياة الطبيعية للعالم في وقت اقصر من المتوقع، لكن يبقى لجهود المملكة الكبيرة من خلال المبادرة التي جمعت بها المنتجين من أوبك وخارجها وقيادتها لأكبر وأهم اتفاق بتاريخ صناعة النفط الدور الأكبر والأساسي في كل ما شهده النفط من تعاف نعيش فصول نجاحه هذه الأيام ويؤسس لمستقبل جديد يقوم على تناغم كل المنتجين وتوافقهم على توازن السوق بشراكة الجميع مما يعني أن أسعار النفط ستشهد مزيداً من التعافي بما ينسجم مع تطورات نمو الاقتصاد العالمي من العام المقبل.