عساف المسعود
يا له من عام فريد بأحداثه بكل ما فيه من تفاصيل على الساحة الدولية والإنسانية وتحولاته الكبرى، وكأنه جاء ليوقظ البشرية من «الإيجو» العالي الذي وصلت له، وإن على هذا الجيل أن يفهم أنه لازال ضعيفاً أمام هذه المخاطر الأزلية التي عانت منها البشرية على مدى تاريخها؛ وهي الفناء بسبب الأمراض، وإن طموحه للوصول للمريخ وتضخم العقل البشري نتيجة التطور العلمي لا يعني بالضرورة قدرته على تفكيك إنفلونزا ألحقت الأذى بالفرد والدولة.
* لكل عام في حياة البشرية درسه الذي من المهم أن يستذكر في نهاية السنة، ودروس عام 2020 كانت كثيرة لكن لنبدأ بدرس الشرق الأوسط الذي لا زال للحظة يذكرنا أن الأصدقاء والأشقاء لا يمكن أن يدوم حالهم تحت هذا التصنيف مهما تطابقت فئات الدم، ولك أنت تتفحص اليمن، ليبيا، سوريا وعلاقة الاشقاء هناك كنموذج، وكأن هذه البقعة من العالم تدفعنا في كل يوم إلى «عدم الثقة» إلى التمسك أكثر بمنطلقات «نيكولو مايكافيلي»، عموما، هذه لعنة الشرق الأوسط الأزلية التي لابد أن نتعامل معها، وأن نستمر بإطلاق رغبتنا نحو السلام ، فأنا لا أتذكر أن بيانات وتصريحات دول هذه المنطقة قد خلت من دعوات للسلام.
* أما هناك - خلف الأبيض المتوسط - سترى بوضوح الوميض الذي تحدثه بريطانيا من خلال رغبتها الملحة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي، رغم أن البطالة بدأت تستشري في الاقتصاد البريطاني، حيث العلامات التجارية التي كنا نقصدها في لندن بدأت تغلق متاجرها، بل إن الأغرب هي تلك الأصوات الخافتة التي تهمس في أروقة إكسفورد حول نظرية المؤامرة والتي بدأت تستشري في الأوساط المتعلمة.
* وعلى الضفة الأخرى من القناة الإنجليزية، حيث باريس التي بدأ يتراجع سحرها وما تتمتع به من حرية بعد أن عادت لتستخدم أدوات العصور المظلمة وكأن روح «ماريا انطوانيت» العنجهية سكنت جسد «مانويل ماكرون» لتخرق كلماته عن الإسلام سفينة العلمانية الفرنسية التي من المفترض أن تبحر بعيداً وألا تقحم الدين في السياسة.
* أما عن رائحة الخوف فستجدها في ممرات «الرايستارخ « مبنى البرلمان الألماني، الخوف الذي بدأ يدب داخل الذاكرة الألمانية من الجار الروسي، لتهرع برلين فزعاً في احتضان المعارضة الروسية وكل صوت ضد الرئيس «بوتين» مع إحساس بالقلق حيال الانسحاب الأميركي من الأراضي الألمانية، الذي قد يثير شهية الكرملين في موسكو.
وعلى تماس من هذا الخوف بدأت القصص تنتشر على امتداد ألمانيا؛ حول روح نازية منفلتة قد تظهر من جديد بعد أن تغذت على الخوف المتزايد من أعداد المهاجرين السوريين والأفارقه. وخوف آخر، من أن تنقطع شعرة الحليف التركي، بسبب غرور أنقرة، وأن يستغل «أردوغان» الأتراك الذين تصل أعدادهم للملايين في ألمانيا.
* كذلك هي إيطاليا، إسبانيا اللتان بدأت معدلات التضخم تتصاعد في اقتصاديهما لتستشعران بذلك روح الغضب في شوارع مدريد وروما والرغبة في النزول لمواجهة السلطات. أما عن العادات القديمة في أوروبا فقد تكفلت باسترجاعها -المجر ورومانيا - لتصنعا منها جدلا ونزاعا حول قرارات الاتحاد الأوروبي، كأنهما يذكران نفسيهما بالحرب العالمية الأولى، أما الشرق الأوروبي فإنه يبحث عن ثورة على السلطة، على التاريخ على تردي الوضع الاقتصادي، على التدخل الروسي حيث يلوح غضب ما هناك.
* وخلف تلك البحيرات الجميلة بمدينة «هلنسكي» الفلندية تقع أهم المباحثات بين الروس والأميركيين على توزيع الحصة النووية وتقسيم الأدوار في العالم حيث يفصح كل من الطرفين عن مخاوفه من الآخر، إلا أنه مهما تعالت الأصوات فالحديث في هلنسكي دائما طي الكتمان يلحقه مستوى ضعيف من التصريحات للصحافة «العالم يدار خلف غروب الشمس في هلنسكي».
* أما إن كان درس كورونا مؤلما على الدول والأفراد في العالم؛ فإن درس المناخ قد يكون أكثر قسوة، ليس لأن الانبعاثات الكربونية تلوث سماءنا، إنه الدرس الذي قد نتعلمه من العبث الروسي والأميركي في منطقة ألاسكا وتجاربهما النووية في تلك المنطقة التي تُحدث كل يوم تغيراً في مستويات المياه وقد تضع العالم في مواجهة غضب الطبيعة مستقبلاً.
* هناك أيضاً حملة على الطراز الصيني من نوع G5 تخيف واشنطن وترتعد منها فرائس الأوروبيين، طبول حرب التكنولوجيا تقرع، مجتمعات المخابرات تنشط في مباني الشركات الكبرى للتكنولوجيا، الرؤساء التنفيذيين لهذه الشركات العابرة للقارات قلقين متحفظين في تصريحاتهم، ملاك شركات مثل فيسبوك، تويتر، ما يكروسوفت، هواوي يتم استدعاؤهم بشكل مستمر للتفتيش بين كلماتهم ومراقبة لغة أجسادهم لبحث ما إذا كان هناك شيء مريب يخفونه.
* وفي القارة السمراء التي لا سكون فيها، سنجد نزاعات حول المياه بين السودان ومصر وإثيوبيا، حول الحق في الانفصال في إقليم كغراي، ووعي متصاعد في نيجيريا، إريتريا، الصومال ينبئ بثورة وعي قادمة بعد أن فتَحت أبواب التقنية على هذا الجيل أفكار الاستقلال، فنسبة الأمية في إفريقيا لا تعني انحسار طريق الوعي واستمرار سمت الاستعمار الثقافي والاقتصادي هناك، لذا على الاتحاد الإفريقي ألا يكرر خطأه بأن ينقل صك حريته وانعتاقه من أوروبا «الكولونيالية» إلى الديون الصينية.
كانت تلك ملامح بانورامية لعام 2020 حول أحداث وقد تكون دروساً للعالم، الذي ينسى كثيراً أن يتعلم من التاريخ الذي لا يكرر نفسه كما يشاع، «نحن فقط لا نجيد تعلم دروس التاريخ».