خالد بن حمد المالك
ظهر مؤخرًا على السطح ما يخالف الاعتقاد بأن هناك توافقًا في السياسات الإيرانية التركية في التعامل مع القضايا الساخنة في المناطق العربية، فقد كشف الرئيس التركي عن أن أطماع كل من أنقرة وطهران لا يمكن أن تلتقيا، حتى وإن وجدت قواسم مشتركة ظاهريًا في السياسات فيما بينهما، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى أن يتنازل أي طرف عن مصالحه لصالح الطرف الآخر.
* *
فقد لاحظنا سرعة انفجار الخلافات بين الدولتين بمجرد أن ألقى الرئيس أردوغان قصيدة في أذربيجان رأت فيها إيران مساسًا بوحدة أراضيها، ما دفع بها إلى استدعاء السفير التركي
وتقديم احتجاج شديد اللهجة، وكلام رأت فيه تركيا مساساً بشخصية الرئيس التركي، الأمر الذي دعاها هي الأخرى إلى استدعاء السفير الإيراني وإبلاغه احتجاج تركيا على هذا التصرف، بمعنى أن هذه العلاقة الثنائية الهشة أصبحت تقاس في ميزان النظرة السوداوية بأكثر مما كانت عليه من قبل.
* *
حاولت إيران وتركيا انتهاز الجو العام غير المستقر الذي تمر به بعض دول منطقتنا، لتتبنيا معاً تفاهمات تساعدهما على تحقيق أهدافهما التوسعية الاستعمارية، لكن التباين بينهما كان واضحاً في الأطماع والسياسات التي يسعى كل طرف لتحقيقها، لتصطدم هذه العلاقات بتوجه كل منهما بما يخالف توجه الجانب الآخر للوصول إلى تحقيق أهدافه، خاصة وأن كل دولة لديها مخاوف من الأخرى على مصالحها وأطماعها في المنطقة، وعلى الشك في التحالفات الخاصة لكل منهما خارج هذه العلاقة الثنائية، ما أثار ويثير المخاوف لدى هذه الدولة أو تلك، بما لا يمكن ضمان استمرار هذه العلاقات دون أن تطفو على السطح الخلافات الجانبية من حين إلى آخر.
* *
فقد أثار تدخل تركيا كطرف في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا مخاوف إيران على وحدة أراضيها، لكن الإعلان عن موقفها الغاضب كان مؤجلاً، لكنه سرعان ما انفجر بعد خطاب الرئيس أردوغان، ولا أعتقد أن العلاقات الثنائية بينهما ستكون ذات يوم أحسن حالاً مما هي عليه الآن، بل إن التوقعات تشير إلى عدم استبعاد تصاعد الخلافات بين أنقرة وطهران، بعد مرور سنوات من التهدئة التي اقتضتها الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها كل من الدولتين، وعلاقاتهما الدبلوماسية والسياسية المتأزمة مع عدد كبير من دول العالم، بسبب تدخل أنقرة وإيران عسكرياً وأمنياً غير المبرر في نزاعات الدول الأخرى، ما جعل الدولتين في وضع لا يملكان معه القدرة على تحسين صورتيهما أو إيجاد حلفاء حقيقيين وصادقين معهما.
* *
حاولت تركيا بعد أزمة (القصيدة) وقف التصعيد السلبي في علاقتها مع إيران، باعتذار عن تصريحات الرئيس رجب أردوغان، بحجة أنه لم يكن يعلم مدى الحساسية المحيطة بقصيدة الشاعر بختيار وهاب زادة التي قرأها في العاصمة الأذربيجانية، بحسب ما قاله وزير الخارجية التركي في اتصال مع نظيره وزير الخارجية الإيراني، وتأكيده بأن الرئيس التركي يحترم كامل السيادة الوطنية، وسلامة الأراضي الإيرانية.
* *
وجاء هذا الاتصال من وزير الخارجية التركي، بعد أن أعلن 214 نائباً في البرلمان الإيراني احتجاجهم على المقطوعة الشعرية التي قرأها الرئيس أردوغان، معتبرين أن أدبيات الرئيس التركي مثيرة للانقسام، وأنها غير مقبولة، وعلى الرئيس التركي الاعتذار للشعب الإيراني، فيما أعلن رئيس البرلمان التركي رفضه للتصرفات الإيرانية بحق أردوغان، وأن من قاموا بذلك لا يعرفون حدودهم، بينما رأى رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني أن الحلم بتوسيع نفوذ تركيا في القوقاز لن يتحقق.
* *
استسلام تركيا لمطالب إيران بالاعتذار لها، وما تلاه من استنكار وتنديد إيراني بالعقوبات الأمريكية ضد تركيا، جاء لمزيد من الاسترضاء المتبادل بين أنقرة وطهران، وهو محاولة لامتصاص الغضب الإيراني ورد الفعل التركي في ظل حاجة كل دولة للأخرى في ظل الأزمات المتشابهة التي تمر بها كل منهما، وتأثير أي خلاف بينهما على أوضاعهما الداخلية المتأزمة وعلى المستوى الدولي.
* *
ومع كل هذه التطورات التي حاولت تركيا وإيران طي هذه الصفحة من الخلافات إلا أن ما تحت الرماد في العلاقات الثنائية سيظل مشتعلاً، وقابلاً للانفجار، فهناك تعارض في المصالح، وهناك أطماع في التوسع لا تقبل القسمة على اثنين، وسوف تحركها أحداث قادمة ولو كانت صغيرة، كما كان ذلك مع هذه القصيدة وردود الفعل بعدها.