محمد آل الشيخ
تمثل أعداد النساء في أي مجتمع ما يوازي 50 في المائة من تعداد السكان، تزيد قليلاً، أو تنقص قليلاً، وينسحب ذلك أيضاً على مجتمعنا، ولا يمكن إطلاقاً وأكرر إطلاقاً، أن تتحقق أي تنمية نهضوية تستثني النساء من حساباتها، وتركز على المكون الرجالي. تنمية كهذه هي بالضرورة تنمية عرجاء فاشلة، فالمرأة والرجل يُمثلان للمجتمعات القدمين اللذين تسير بهما، وغني عن القول إن أي كائن لن يستطيع السير وتغيير مكانه برجل واحدة. قبل هذا العهد الزاهر، عهد الملك سلمان وعضيده الأمير محمد بن سلمان كنا نقول ونكرر هذه الحقيقة الثابتة، فنجد أن المحافظين والصحونج تحديداً، يسفهون بآرائنا، ويتفنون في شتمنا، ويُدخلون (الحرام) في القضية، وبالتالي فإن مطالبتنا إما فسق نسعى من خلاله لتخريب المرأة كي نتمكن منها، ونُطفئ من تحررها غرائزنا، أو أننا نريد أن نهمش الإسلام من أن يكون له الكلمة الفصل في مجتمعاتنا، والإتيان بقوانين وضعية لتحل محله. وحَسب تجربتي في الكتابة الدورية، والتي اتخذت منها وسيلة لمواجهة هذا الفكر المتخلف والمأزوم بالحجة والبرهان، إلا أن أولئك المتخلفين استطاعوا أن يستقطبوا أنصاراً جُلهم من الدهماء والعوام، الذين يجلجلون خلف الصوت الأعلى، وليس الصوت الأقرب إلى الصواب.
وكنا - زملائي وأنا - على يقين لا يخالجه شك أن الزمن سيفرض الحجج المنطقية، وستتوارى جعجعاتهم، وينتقلون من مقدمة الصفوف إلى مؤخراتها؛ لكن أكثرنا تفاؤلاً لم يدر في خلده قط أنهم سيخسرون ويتراجعون، بل ويختفون من المشهد بهذه السرعة؛ غير أن إيكال الملك حفظه الله وأمد في عمره لابنه الشاب الأمير محمد بن سلمان مهمة إصلاح البلاد، ومعالجة ما يعترض التنمية الشاملة من عقبات، كانت بمثابة إعطاء القوس لباريها، وفي سنوات مرت كلمح البصر، تغير كل شيء، وانقلب المشهد المتزمت إلى مشهد يُبشر فعلاً لا قولاً بغد مشرق، وتحقق ماكنا نظنه حلماً بعيد المنال إلى حقيقة ماثلة على أرض الواقع، فقد جعل من الحزم الذي لا يتراجع عنه سيفاً سلطه على كل أولئك الذين يسعون إلى تخريب العقول، والتشبث بضعيف المنقول، بدعوى أنهم فقط من يمثلون الله على الأرض، فخبا نجمهم، وانطفأت شعلتهم، وأصبحت تلك العنتريات التي ما أنزل الله بها من سلطان غثاء كغثاء السيل؛ كانوا يعتبرون رسالتهم الأولى والأهم تنحصر في تكميم المرأة وسربلتها بالسواد، ومصادرة حقها الإنساني الأصيل بالحركة والتنقل والعمل، فتحول مجتمعنا الذي كان خامداً مكفهراً مأزوماً إلى خلية تدب فيها الحيوية والنشاط، تشارك فيها المرأة الرجل، في الإنتاج والإبداع؛ والغريب الذي فاجأ البسطاء والعامة، أن هذه التغيرات مرت بسلاسة وانسياب، وتَقبّل منقطع النظير من الناس، ولم ينتج عنها ما كانوا يحذرون منه، وبرعبوننا من خطورة مآلاته. قادت المرأة سيارتها بنفسها، عملت في بيئات مختلطة مع الرجال، أصبحت هي المسؤولة عن نفسها في حلها وترحالها متى ما بلغت سن الرشد، ولم نر من خزعبلاتهم وتخوفاتهم ما يستحق الذكر. وليس لدي أدنى شك أن تمكين المرأة من حقوقها المدنية كعضو فعال في المجتمع، كامل الأهلية، مثلها مثل الرجل، سينعكس أول ما ينعكس على التنمية البشرية، فقد كان من المضحك أن نعلم المرأة داخل المملكة وخارجها، ثم نمنعها من العمل، بل وحتى الحركة، ونرفض أن يكون لها استقلالية عن الرجل، مثلها مثل أي امرأة معاصرة في بلاد الله الواسعة.
والسؤال الذي لا بد من مواجهته، وعدم الخوف من الإجابة عليه: هل نحن بهذه القرارات المدنية المتحضرة، قد خالفنا تعاليم الإسلام، وتحديداً الإسلام الوسطي؟.. لا وفي الوقت نفسه نعم، لا لأننا واكبنا بكل ما تعنيه الكلمة (الإسلام الوسطي)، الذي يتناغم مع الحياة العصرية، ونعم إذا كان الإسلام الذي نريد هو إسلام داعش وطالبان، ومن يقرأ أمهات الكتب التراثية سيجد أن المرأة في زمن الرسالة وتألق الحضارة الإسلامية كانت جزءاً أصيلاً من ذلك المجتمع، كانت تتاجر في الأسواق، وكانت تعمل في كل حقل من حقول الحياة، بل وتشارك في الحروب والمعارك، مثلها مثل أي فرد آخر من أفراد المجتمع. لكن عندما سيطر الجمود على المجتمعات الإسلامية، وتفشى الجهل، وانتشر التكلس والتخلف، والقول الواحد الذي يلغي الاختلاف، في هذه العصور المتخلفة، سقطت الحضارة وسقطت المرأة معها، وتحولت إلى كائن ذليل محتقر، وظيفتها الحياتية أن تلبي خدمة (سيدها) الرجل، وتعمل طوال يومها على إشباع رغباته بمختلف أنواعها، وجهاز تفريخ لإنتاج أبنائه ليس إلا.
يقول أحد علماء الاجتماع: من يعاصر الرواد والعظماء والمصلحين، ويتعايش معهم، لا يعرف كم هم مبدعون وعظماء، فالمستقبل فقط هو من يستطيع أن يقدرهم حق قدرهم.
إلى اللقاء