محمد عبد الرزاق القشعمي
عندما كنت أعمل بالأحساء قابلته مصادفة عام 1396هـ/ 1976م، وعلمت أنه يشغل وظيفة مدير فرع شركة (سعودي تل) للهاتف بالهفوف. علمت أنه مقيم بالأحساء، ومتزوج إحدى بنات الأحساء منذ كان يعمل في مصلحة العمل والعمال بالدمام في حدود عام 1376هـ 1956م.
وفي عام 1421هـ كنت برفقة الشيخ عبدالكريم الجهيمان بجدة بضيافة رفيقه في السجن عام 1384هـ/ 1964م، وصديقه بعد ذلك، الأستاذ عابد خزندار، وكانا يتذكران تلك الأيام، ويحكيان بعض القصص عنها، وتذكرا زميلهما الثالث الشاعر عبدالرحمن المنصور الذي كان معهما في غرفة واحدة جمعتهم (بسجن الدمام) بعد انتهاء التحقيق معهم، فكانت تسليتهم مقارضة الشعر وقراءة كتاب (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني وغيره من أمهات الكتب الثقافية العربية التي كان مسموحاً بها.
وتذكر بعض المواقف الطريفة، منها عند زيارة أهل عبدالرحمن المنصور له عندما تأتي زوجته مع ابنتيها، وكان الجهيمان يلاعبهما ويشغلهما عندما تختلي أمهما مع أبيهما، وكان الجهيمان يحملهما فوق ظهره ويدور بهما بالغرفة وكأنه جَمل؛ فتضاحكا. وكان يستمع إلى حديثهما معنا الصحفي محمد الفايدي فذكر قصة ابنته الدكتورة هدى المنصور بمستشفى الملك فهد بالهفوف، وكانت وقتها قد أثارت موضوع وأهمية الكشف الطبي المبكر للزوجين قبل زواجهما لوجود مرض الدم الوراثي الذي ينتقل إلى أبنائهما، وكافحت حتى تم استصدار توجيه سامٍ بضرورة الفحص الطبي المبكر بعد سجال وخلاف طويل.
بعد عودتنا للرياض اتصلت بعبد الرحمن المنصور حيث يسكن في مدينة المبرز بالأحساء، وحادثه الجهيمان، وتذاكرا ما سلف من ذكريات بالقاهرة والسجن، فتواعدا على اللقاء، فكانت زيارته بالأحساء. وقد ذكرت له أنني أقوم بتسجيل بعض الذكريات المهمة في حياة البعض ضمن مهام مكتبة الملك فهد الوطنية (تسجيل التاريخ الشفهي). وبعد محاولات اعتذار وافق بعد أن أقنعه الجهيمان، وتم ذلك لمرتين، الأولى في 1421/2/21هـ، والثانية 1421/3/12هـ، وكان معي في الزيارة الثانية الأستاذ محمد السيف والفنان التشكيلي والصحفي أحمد المغلوث. قال إنه ولد بالزلفي عام 1340هـ 1921م من عائلة (آل حمود) المعروفة، وإنه وأخوه اكتفيا باسم جدهما؛ فأصبح اسمه عبد الرحمن بن محمد المنصور. غادر للرياض وعمره عشر سنوات برفقة طالب العلم الشرعي مقبل العصيمي (فاقد البصر)، وكان يدله على الطريق، ويحضر له طعامه. وتعرف على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رئيس القضاة - وكان كالعصيمي فاقداً للبصر- فأصبح يأخذ بيده أحياناً من المسجد إلى منزله فيدخل معه على أهل بيته فكانت النساء لا تتحرج منه في تغطية الوجه لصغر سنه وحجمه، فتحول إلى صبي في منزل الشيخ، وتعلم القراءة والكتابة في حلقات الشيخ بالمسجد وحفظ القرآن.
وفي عام 1360هـ/ 1941م انتقل من الرياض إلى مكة المكرمة مع الشيخ ابن إبراهيم لأداء فريضة الحج؛ فتعرف على عدد من أبناء نجد الذين يدرسون في مدرسة تحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة؛ ففضل البقاء بمكة ليلتحق بالمعهد، فأبقاه الشيخ لدى ابن عمه الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة بمكة المكرمة، وأصبح صديقاً لابنه عبد العزيز الذي رافقه إلى مصر بعد تخرجه من المعهد السعودي عام 1367هـ/ 1947م فالتحقا بجامعة الأزهر وعلى مدى أربع سنوات نال شهادة الليسانس في الفلسفة واللغة العربية واللغات الشرقية من الأزهر. التحق بعدها بجامعة إبراهيم باشا (عين شمس فيما بعد)، ونال منها شهادة الماجستير في التربية وعلم النفس، وقال إن من بين زملائه أصحاب المعالي: ناصر المنقور، وإبراهيم العنقري، وعبد العزيز الخويطر، وحسن المشاري، وعبدالعزيز آل الشيخ، وعبدالعزيز القريشي، وعبدالرحمن آل الشيخ، وعبد الرحمن أبا الخيل، والأساتذة: عبدالله القرعاوي، ومحمد الفريح، وصالح الجهيمان، وغيرهم.
قال إنه التقى الشيخ حمد الجاسر وهو يُحضِّر لصدور مجلة (اليمامة)، ونشر في عددها الأول قصيدة (أحلام الرمال) التي صدرت في شهر ذي الحجة 1372هـ/ أغسطس 1953م.