يحزنني رؤية من حولي يؤدون مواهبهم في دواليب الحياة وكأنها وصمة عار لا يحق لهم الاعتراف بها، ولا حتى نشرها أمام الملأ ووصفها بأنها مجرد تُرهات وخربشات لا تستحق منا كل هذا العناء لإنعاشها أو حتى إخراجها من توابيت الموتى.
لا يدركون أن الحياة تتلون بألوان الطيف والحب وهم يؤدونها، بل يزدادون حبوراً حين يتم الانتهاء منها، سواء كان كاتباً يتبختر بقلمه فخوراً بحرفه يسطح باسمه في جميع الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي الذي سهل الكثير من المطاب أمامنا في نشر إبداعاتنا وهوايتنا الشخصية، أو مصوراً يوثق الصورة ويستحدثها في أي وقت يشاء للاطلاع عليها ونشرها والاعتراف بها..
أو رساماً يخلق بفرشاته عالماً جديداً ويمخر عباب الدنيا متباهياً بعالمه الذي صنعه في لحظة تأمل مع نفسه، ويزرع في بساتينه ما يشاء من الزهور وألوان الفرح الزاهية..
ومما أثار إعجابي وجود الكثير من المصممين والرسامين والمصورين والكتاب في برنامج الإنستغرام والترويج لمواهبهم بصورة جميلة وغير مكلفة، مما استدعى بعض دور النشر لاستقطابهم والتعاقد معهم، فدل هذا على أن الهواية التي دسها البعض منا في التراب قد تجلب رزقك يوماً ما، وما أكثر جمالاً حينما امتهن موهبتي وأكسب من وراءها لقمة عيشي..
كثيرون وجدتهم يحملون حرفة يدوية، وموهبة كتابية فذة وحين سألتهم لما لا تشهرون بها كي يعترف بها العالم وبأسمائكم الصريحة لتبقى بصمة فخر لذواتكم بعد حين، يكون ردهم باقتضاب: كيف ذلك ونحن في مجتمع يئد الأنثى في عصر الجاهلية، وفي عصرنا الحالي يئد مواهبها متسترين عليها تحت جلباب عادات وتقاليد أكل عليها الزمن وشرب، صمتُ قليلاً وأعدت سؤالي ولكن بصيغة أخرى لم لا يتم نشرها في مواقع التواصل فقد سهلت على الكثيرين الوصول لمبتغاهم على الرغم أن بعضهم يقوم بتنزيل موهبته دون توقيعه أو حتى اسمه الصريح وهذا أبسط حقوقه كي لا تندثر ويتناقلها الناس دون بصمته..
فكان ردهم مهزوزاً بعض الشي، قائلين: نحن لا نجدها تستحق النشر ولا حتى التبجيل بها فهي ليست بذاك الجمال الذي ترونه إنها فقط مجرد تسلية لا غير، قابعين بها خلف قضبان الخجل..
ليتضح لي من أقوالهم إن العادات والتقاليد ليست سبباً كافياً لطحن مواهبنا، بل عدم الثقة بالنفس وعدم الإقبال على الحياة بتفاؤل هو ما دعاهم للتقليل من مواهبهم ورفض عيشها على السطح، كحال المبدعين ممن تجرأوا وجاهدوا كي تلمع مواهبهم بكل فخر على ظهر هذه الأرض، متيقنين أن العمر واحد والحياة فرصة لن تتكرر ولا بد من تحقيق الغايات والأمنيات كي يشعروا بمدى فعاليتهم ومدى أهميتهم في مجتمعهم..
لكن المشكلة لا تكمن فيهم بشكلٍ متحيز، بل بالمحبطين من حولهم، كاسرين الهمم، ومثبطي الأحلام ممن يجدون لذة الحياة في التقليل بمن حولهم وكسر هامتهم والتقليل منها، مستمتعين بدور البطولة المطلقة وكسر أنفة الموهوبين وحقن إبداعاتهم بحقن الغيرة والأنانية، هذه الفئة الضالة من الناس لا بد من استقافهم والتصدي لهم بكلمات تهز كيانهم كما زلزلوا كيان المبدعين وحطموا أحلامهم بقولهم لهم لن تصل، ولن تستطيع، ولن تخترع الذرة..
واجهوهم بقوة الموهبة وصلابة الحرف وجمال الصورة، دعوهم يبذلون ربع جهودكم كي يصلوا، كونوا كاسحين بمواهبكم تاركين لهم لعبة الاستهزاء والتخبط بالكلام المحبط..
اقفلوا آذانكم وأعينكم عنهم وواصلوا النقش على جدران الحياة كي تبقى ذكراكم خالدة في الأذهان..!
** **
- وفاء آل منصور