د.محمد بن عبدالرحمن البشر
علمتنا كورونا هيئة الفي، وهيئة البدبليو، وهيئة التي وغيرها، وأصبحت هذه الهيئات ذات دلالات معروفة تغني عن الشرح المطول، ولا نعلم أن هيئة اليو أو غيرها في مناطق محددة، وربما يعيد اللقاح، أو مناعة القطيع تعيد الأمور الاجتماعية والاقتصادية إلى ما كانت عليه قبل حلول الجائحة، لكن ليس بالضرورة أنها ستكون كما كانت فيما سبق في جميع المجالات، فالتواصل الافتراضي سيزيد استخدامه بلا شك على حساب التواصل المباشر سواء في الاقتصاد، أو السياسة، أو حتى التواصل الاجتماعي.
وفي هذه المقالة سوف نتحدث عن معاني شكل الفي أو هيئة الفي في الاقتصاد، فكما نعلم أن الأسهم العالمية انخفضت بشكل حاد في فترة وجيزة، واليوم يرتفع مؤشرات بعضها إلى ما كانت عليه أو زادت، وهذا أمر غريب أن تزيد على ما كانت عليه مدفوعة بالأمل في وجود لقاح، مع تناسى أساسيات السوق وكل شركة على حدة. لقد وصلت أسعار بعض الشركات إلى قاع يصعب وصولها إليه مرة أخرى، وظلت كذلك فترات متفاوتة بين بعضها البعض، وكان هناك قناصون شجعان حكماء اشتروا أسهم بعض الشركات، بعد دراستها عند نقطة انخفاضها القصوى أو حولها وتضاعفت فيما بعد مرة أو أكثر، مثال ذلك ما فعله الصندوق السعودي للاستثمار بشرائه بعض الأسهم، وهناك أسهم قد وصلت في سعرها إلى ما كان قبل الجائحة وبعضها تجاوز بقليل أو كثير، ولا سيما بعض أسهم شركات التقنية.
الحقيقة انه في ظل حدوث مثل تلك الأزمات يبدو أن التحليل الاقتصادي وحده لا يكفي لاتخاذ القرار الصحيح، وإنما هو خليط من التحليل، والإحساس، والطبيعة البشرية المقدامة، وغير المقدامة، ويبقى توفيق الله هو الأساس في كل مناحي الحياة.
كان هناك نزول حاد في شركات لا يتخيل العاقل أنها ستزول من الوجود، وانخفضت بشكل حاد ومع هذا فقد باع البعض أسهمهم خوفا من اثر كورونا، والآخر خاف من الإقدام على الشراء إما انتظاراً لمزيد من الانخفاض، أو خوفاً من مجهول لا يُعلم، لكن بعد أن عادت الأمور إلى نصابها، أدرك أن فرصة متاحة قد فاتته.
لك أن تتخيل شركة مثل كوكاكولا تنخفض بشكل كبير نتيجة بيع محموم، مع العلم أنها ستبقى بعد أن يطمئن الناس إلى مقدار حجم الجائحة، وأخذ البعض في الشراء فزاد سعر السهم إلى درجة أقل بقليل مما كان عليه سابقاً، أما تلك الأسهم التي انخفضت بشكل حاد ثم تضاعفت فقد خسر من باع، وكسب من اشترى حتى وقتنا الحاضر. لقد حدثت هيئة مماثلة في أعوام مضت، وعام ألفين وثمانية ليس ببعيد، فكل الشركات القوية عادت أقوى مما كانت عليه، بينما خسر من باع وربح من اشترى، فهل يا ترى سيتعلم المستثمرون وصناديق الاستثمار من مثل تلك الأحداث الطارئة، أم أن الطبيعة البشرية في المقولة المعروفة «إن رأس المال جبان»، تقع في كل الأحوال دون أخذ دروس من الماضي، أو انه أخذ بقول الشاعر المتنبي:
الرَأيُ قَبلَ شَجاعَةِ الشُجعانِ
هُوَ أَوَّلٌ وَهِيَ المَحَلُّ الثاني
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ حرَّةٍ
بلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ
لكن أليس من صواب الرأي التعلم من الماضي؟ وهو في ذاته رأي حكيم أن تستفيد من دروس الماضي دون أن تمر كحدث يروى فقط.
في السوق السعودي عندما انخفض سعر شركة أرامكو وهي أكبر شركة في العالم وأرسخ وأقوى، باع البعض أسهمهم لكن لم تلبث قليلاً حتى عادت إلى مستواها الذي يليق بها، في بلد تنعم بالأمن والاستقرار ، وانخفاض تكلفة الإنتاج والقدرة على زيادته بكمية لا يمكن لأي شركة أو دولة أن تقترب من تلك القدرات.
وهناك دول سارعت إلى ملء مخازنها بالوقود بعد أن انخفض إلى سعر متدنٍّ جداً، واستفادت من ذلك لكن - بحمد الله - أخذ يعود إلى مستوياته المقبولة - بفضل الله - أولاً، ثم التدابير التي اتخذتها المملكة، وزيادة الطلب العالمي.
يبقى أن هناك من خسر خسارة سياسة من هذه الجائحة، وهي خسارة لن تعود، فقد كان الرئيس الأمريكي هو الأقرب للفوز بفضل الإنجاز الاقتصادي، لكن بعد أن حلت في وقت غير مناسب له، يبدو انه خسر حتى وان لم يعترف، وهي خسارة لن تعيد الوضع إلى ما كان، كما أن الجائحة فيما يبدو جعلت بريطانيا أقل تشدداً في الوصول إلى حل في موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي، إنها بحق جائحة ذات تأثير كبير اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً.